24 ديسمبر (كانون الأول) 2025 – قرّرت هيئة الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس، رفض جميع مطالب الإفراج في القضية المتعلّقة بوفاة النائب السابق ورجل الأعمال الجيلاني الدبوسي، وتأجيل النظر في الملف إلى جلسة يوم 26 ديسمبر 2025.
ويشمل قرار الرفض كلًّا من وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، والقيادي بحركة النهضة منذر الونيسي، إضافة إلى طبيبة سابقة بالسجن المدني بالمرناقية، ووكيل عام سابق متقاعد بمحكمة الاستئناف بتونس، وجميعهم محالون بحالة إيقاف.
وخلال الجلسة، مثل نجل الضحية الجيلاني الدبوسي، وقدّم حُجّة وفاة، وطلب تأخير المحاكمة قصد تمكينه من استكمال إجراءات القيام بالحقّ الشخصي.
عرض الوقائع:
تنظر الدائرة الجنائية في ملف يتعلّق بملابسات وفاة الجيلاني الدبوسي، الذي كان موقوفًا تحفظيًا سنة 2014، قبل أن يتوفى بعد تدهور حالته الصحية داخل السجن. وقد أُسندت إلى المتهمين تهم خطيرة تشمل محاولة القتل العمد مع سابقية القصد، والتعذيب وسوء المعاملة الصادرة عن موظف عمومي حال مباشرته للوظيفة، والامتناع عن إنجاز عمل قانوني، والمشاركة في ذلك.
خلفية القضية:
تعود الوقائع إلى 7 ماي 2014، تاريخ وفاة الجيلاني الدبوسي بعد أيام قليلة من إطلاق سراحه من السجن، إثر إيقاف دام أكثر من عامين منذ أكتوبر 2011. وقد تقدّمت عائلته بشكاية قضائية حمّلت فيها مسؤولية وفاته لعدد من المسؤولين السياسيين والطبيين، معتبرة أنّه تعرّض إلى إهمال وتقصير في الإشراف الطبي والإنساني أثناء احتجازه.
وعلى إثر هذه الشكاية، تولّى عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس التحقيق في الملف، وأصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق كلّ من البحيري، والونيسي، وهلال، والبهلول، في حين تم الإبقاء على عبد اللطيف المكي بحالة سراح، مع تحجير السفر ومنعه من الظهور الإعلامي.
وقد أيّدت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف الإحالة على القضاء الجنائي لمحاكمة المتهمين بتهم القتل العمد والمشاركة فيه، وهو ما فتح مرحلة قضائية جديدة بعد أكثر من عشر سنوات على الوقائع.
الطابع السياسي للقضية ومخاوف التوظيف:
يرى مرصد الحرية لتونس أنّ قضية الجيلاني الدبوسي، رغم بعدها الإنساني الحساس وحقّ عائلته المشروع في الحقيقة والمساءلة، تشهد توظيفًا سياسيًا واضحًا في المرحلة الراهنة. إذ تمّت إعادة استدعاء الملف بعد أكثر من عقد من الزمن، في سياق يتزامن مع مواصلة إيقاف عدد من قيادات حركة النهضة والمعارضة المدنية.
ويعتبر المرصد أن توسيع دائرة الاتهام لتشمل شخصيات سياسية بارزة يندرج ضمن مناخ عام يتّسم باستعمال القضاء لتشويه المعارضين وربطهم بملفات ذات صبغة جنائية أو أخلاقية، وهي ممارسة تتعارض مع مبدأ استقلال القضاء وحقّ المتهمين في محاكمة عادلة.
كما يلفت المرصد إلى أن جزءًا هامًا من المعطيات المتداولة حول الملف صدرت عن منصّات إعلامية دعائية محسوبة على السلطة، استُعملت سابقًا لتوجيه الرأي العام ضد خصوم سياسيين، وهو ما يستوجب تعاملًا قضائيًا حذرًا لا يستند إلا إلى الأدلة المادية والوقائع المثبتة، بعيدًا عن التأويلات السياسية أو الحملات الإعلامية.
موقف مرصد الحرية لتونس:
يؤكد مرصد الحرية لتونس أن الحق في الحياة وحظر التعذيب والإهمال داخل أماكن الاحتجاز مبادئ اساسية في دولة القانون والمؤسسات، وأن أي ادعاء بوفاة موقوف بسبب التقصير أو سوء المعاملة يستوجب تحقيقًا جديًا ومستقلًا.
وفي المقابل، يشدّد المرصد على أن تحقيق العدالة لا يمكن أن يتم عبر توظيف انتقائي للقضاء أو إعادة فتح الملفات خارج أي منطق قضائي محايد، بل في إطار احترام قرينة البراءة، وضمانات الدفاع، واستقلال السلطة القضائية عن الصراعات السياسية.




