أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس، يوم الأربعاء 7 ماي 2025، بطاقة جلب في حق العضو السابق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، زكي الرحموني، على خلفية شكاية تقدّمت بها الهيئة نفسها، استنادًا إلى المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
تعود القضية إلى تصريحات إعلامية وتدوينات نشرها الرحموني إثر الاستفتاء الدستوري في جويلية 2022، عبّر فيها عن مواقف نقدية تجاه أداء الهيئة الانتخابية. وقد اعتُبرت تلك المنشورات، وفقًا لشكوى الهيئة، مسيئة إلى سمعتها ومروجة لما وصفته بـ”أخبار زائفة”.
وعلى خلفية هذه الشكاية، خضع الرحموني للتحقيق من قبل فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بسليانة، حيث تم الاستماع إليه بخصوص ثلاث تدوينات نشرها بنفسه وتدوينتين أعاد نشرهما للعضو السابق سامي بن سلامة، في إطار إنابة عدلية صادرة عن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالجهة.
أحكام سابقة وتصعيد قضائي
سبق للهيئة أن رفعت قضيتين ضد الرحموني صدرت فيهما أحكام بالسجن لمدة 16 شهرًا (8 أشهر عن كل قضية) بتهم تتعلق بـ”نسبة أمور غير صحيحة” و”الإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات”، وذلك استنادًا إلى الفصل 24 من المرسوم 54. وقد أعلن الرحموني أنه لن يستأنف هذه الأحكام، احتجاجًا على ما وصفه بـ”التضييق على حرية التعبير”، معلنًا رفضه المثول أمام القضاء مجددًا.
ويرى الرحموني أن التهم الموجهة إليه تندرج ضمن سياسة ممنهجة لتجريم الرأي السياسي والنقد العام، مؤكدًا أن تدويناته لم تتضمن ذكرًا مباشرًا للهيئة أو أعضائها، ولم تمسّ بالأمن العام أو تتضمن معطيات زائفة.
بين غموض النص وسوء استخدامه
يشير مرصد الحرية لتونس إلى أن اللجوء المتكرر إلى المرسوم عدد 54 في ملاحقة منتقدي الهيئات العمومية، وخاصة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يندرج ضمن ما يُعرف بـ”تجريم التعبير النقدي”، وهو ما يتعارض مع الفصل 31 من الدستور التونسي والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية التعبير.
كما يعرب المرصد عن قلقه من أن تستند بطاقات الجلب والإيقافات إلى أقوال أو تدوينات لا تتضمن دعوة للعنف أو خطاب كراهية أو تحريض، بل تنتمي إلى مجال النقاش العام الذي يُفترض أن يُحمى لا أن يُعاقب عليه.
يدين مرصد الحرية لتونس إصدار بطاقة الجلب في حق زكي الرحموني ويعتبرها تصعيدًا خطيرًا في استهداف المدافعين عن حرية التعبير.
يطالب السلطات القضائية بتطبيق المبدأ الدستوري القاضي بحماية الحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية الرأي.
يجدد دعوته لإلغاء المرسوم 54 أو مراجعته جذريًا بما يضمن عدم استخدامه لتكميم الأفواه.
يدعو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى الالتزام بضوابط الحياد، والامتناع عن اللجوء إلى القضاء لإسكات الانتقادات، خاصةً حين تصدر عن شخصيات كانت جزءًا من تركيبتها.
وتكشف قضية الرحموني مجددًا هشاشة الضمانات القانونية لحماية حرية التعبير في تونس، في ظل تزايد المحاكمات على أساس مواقف وآراء سياسية لا ترقى إلى مستوى الجريمة.