تونس، 26 ماي (مايو) 2025 – أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس، يوم الإثنين 26 ماي، حكمًا غيابيًا بالسجن لمدة ست سنوات مع النفاذ العاجل ضد وزير أملاك الدولة الأسبق سليم بن حميدان، إلى جانب رجل أعمال تونسي مقيم بالخارج عبد المجيد بودن، وذلك في قضية تعلقت بملف البنك التونسي الفرنسي (BFT)، أحد أقدم النزاعات المالية بين الدولة التونسية ومستثمرين تونسيين بالخارج.
كما قضت المحكمة:
حضورياً بالسجن ست سنوات ضد مستشار سابق بوزارة أملاك الدولة،
وثلاث سنوات سجنًا ضد مكلفة عامة سابقة بنزاعات الدولة،
إضافة إلى تسليط خطايا مالية ضد المتهمين المحالين بحالة سراح.
خلفية القضية: تحكيم دولي يتحول إلى ملف فساد داخلي
تعود وقائع القضية إلى الخلاف بين الدولة التونسية وشركة ABCI المملوكة لرجل الأعمال عبد المجيد بودن، والذي انطلق منذ سنة 1982، بشأن ملكية أسهم في البنك التونسي الفرنسي. وقد خلص التحكيم الدولي في نوفمبر 2021 إلى تحميل الدولة التونسية المسؤولية في هذا النزاع، بعد عقود من التعطيل والرفض الإداري لتنفيذ بنود الاتفاقات السابقة.
وتتهم النيابة العمومية سليم بن حميدان، بصفته وزيرًا لأملاك الدولة (2012–2013)، بـ”سوء التصرف الإداري” و”المساهمة في إبرام اتفاق مضرّ بمصالح الدولة”، وذلك عبر الإشراف على عملية صلح لم تكن مكتملة الشروط القانونية، كما اعتُبر أنه منح امتيازات غير مبررة للطرف المستثمر، دون الرجوع إلى رئاسة الحكومة أو احترام المسار القضائي السليم.
وتشير وثائق التحقيق إلى أن الاتفاق الذي تم توقيعه بتاريخ 31 أوت 2012، تضمّن تنازلات من الدولة التونسية عن أسهم استراتيجية بالبنك مقابل غياب ضمانات واضحة، ما اعتبرته المحكمة “تفريطًا في حقوق الدولة”، خاصة بعد الكشف عن دور مستشارين ومسؤولين إداريين في المصادقة على الاتفاق دون تفويض رسمي.
يعتبر مرصد الحرية لتونس أن الحكم الصادر ضد سليم بن حميدان يأتي في سياق سياسي عام يُوظف فيه القضاء لإعادة تصفية حسابات مع مسؤولين سابقين في حكومات ما بعد الثورة، خاصة أولئك المنتمين إلى التحالف الحاكم في مرحلة “الترويكا”.
ويُسجل المرصد أن المحاكمة تمت غيابيًا دون تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه، وأن الطابع السياسي للملف واضح، خصوصًا في ظل غياب مساءلة لوزراء آخرين معنيين بنفس النزاع خلال مراحل لاحقة، ما يُضعف مبدأ المساواة أمام القانون.
كما يعتبر المرصد أن هذا النوع من القضايا يُستعمل لتوجيه رسائل سياسية ضد المسارات الانتقالية، وتكريس رواية رسمية تعتبر كل من شارك في الحكم بعد الثورة مسؤولًا عن انهيار الدولة أو إهدار المال العام، في تجاهل تام لتعقيدات السياق الانتقالي والمؤسساتي آنذاك.
يطالب مرصد الحرية لتونس بـ:
فتح تحقيق شامل ومحايد في ملف البنك التونسي الفرنسي، مع نشر جميع الوثائق المتعلقة بالتحكيم الدولي والاتفاقات التي وقّعت باسم الدولة،
تمكين سليم بن حميدان من حقه في محاكمة حضورية عادلة تحترم شروط الدفاع والإجراءات،
الكفّ عن استعمال تهم الفساد كسلاح لتصفية المعارضين السابقين أو تشويه تجارب ما بعد الثورة.
ويؤكد المرصد أن العدالة لا تُبنى على الانتقائية أو الإدانة الغيابية، بل على المحاسبة الشاملة والشفافة التي تُخضع جميع المسؤولين للمساءلة دون استثناء أو تمييز سياسي.