مقدمة
شهدت مدينة ليون الفرنسية مساء الأحد 29 جوان 2025 حادثة اعتداء خطيرة استهدفت الناشط التونسي إلياس الشواشي )نجل المعتقل السياسي غازي الشواشي). تعرض إلياس لهجوم جسدي ولفظي من قبل شخصين تونسيين، حيث ترصدا حركته ووجها له تهديدات مباشرة. تميز الاعتداء بطابع سياسي واضح؛ إذ بادر المهاجمان بسؤاله بشكل موحّد: “ما هي مشكلتك مع قيس سعيّد؟” في إشارة إلى انتقاده للرئيس التونسي قيس سعيّد. تلا ذلك محاولةٌ لافتكاك هاتفه بالقوة، وتهديدٌ له بالعنف إن واصل انتقاد سعيّد، قبل أن يعمد المعتديان إلى ضربه جسديًا. قام إلياس الشواشي إثر ذلك بتقديم شكوى رسمية لدى السلطات الفرنسية التي باشرت التحقيق وتفريغ كاميرات المراقبة للتعرّف على الجُناة. تُعدّ هذه الحادثة سابقة مقلقة تتجاوز الحدود الوطنية، إذ توحي بأن الأصوات المعارضة حتى خارج تونس لم تعد في مأمن من الملاحقة والتضييق.
تفاصيل الحادثة ودلالاتها:
بحسب شهادة إلياس الشواشي، اعترض طريقه شخصان وسط الشارع في مدينة ليون (قرب قنصلية تونس) وقاما باستجوابه حول مواقفه المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيّد. حاول المعتديان خطف هاتف إلياس، وهدداه صراحةً بالاعتداء إن استمر في انتقاد سعيّد. ثم نفذا تهديدهما واعتديا عليه بدنيًا قبل أن يلوذا بالفرار. يشير تكرار سؤال “ما مشكلتك مع قيس سعيّد؟“ من قبل المهاجمين إلى أن الاعتداء لم يكن عفويًا، بل يبدو نتيجة ترصّد وتخطيط مسبق لاستهداف ناشط معارض. وقد أكّدت ذلك المحامية التونسية دليلة مصدّق (التي تتابع قضايا معتقلي الرأي) إذ أوضحت أن تكرار الجملة على لسان المعتدين “يكشف عن تخطيط مسبق”، ووصفت الحادثة بأنها “تصرفات ميليشيات مأجورة… تُعدّ وصمة عار”.
إن خطورة هذه الواقعة لا تكمن في الاعتداء المادي فحسب، بل في الدلالة السياسية والأمنية لها. فهي تشير إلى محاولة إسكات صوت معارض خارج حدود الوطن، وربما محو أدلة او تعقب لقاءاته المتعلقة بنشاطه السياسي من خلال السعي لسرقة هاتفه. وقد أكّد حزب التيار الديمقراطي (حزب معارض كان والده غازي الشواشي أحد قيادييه) أن هذا الاعتداء جاء في مناخ “القمع والتضييق الذي يعيشه المعارضون في الداخل والخارج”، معتبرًا محاولة افتكاك الهاتف “محاولة مكشوفة لإسكات الأصوات المعارضة ومحو الأدلة”. كما حمل الحزبُ السلطات التونسية الحالية مسؤولية تصاعد خطاب التحريض والتخوين ضد المعارضين، والذي أدى إلى مثل هذه الاعتداءات. ويرى مراقبون أن الخطاب الرسمي التحريضي الذي دأب عليه الرئيس قيس سعيّد ضد خصومه، خلق مناخًا مشحونًا قد يدفع بعض أنصاره لأخذ المبادرة بالاعتداء على المعارضين سواء داخل البلاد أو خارجها.
من الجدير بالذكر أن عائلة غازي الشواشي (والد إلياس) تتعرض لملاحقات متعددة؛ فإلياس نفسه يواجه سلسلة قضايا في تونس بسبب دفاعه عن والده المعتقل، بعضها بتهم خطيرة مثل “ارتكاب أمر موحش ضد الرئيس” و”الانضمام لتنظيم إرهابي” رغم أنه مقيم في فرنسا. وهذا يؤكد أن الاستهداف تجاوز الإطار القضائي الرسمي إلى استهداف شخصي حتى في الخارج. وقد أثارت حادثة الاعتداء على إلياس موجة استنكار وتضامن واسعة في الأوساط الحقوقية التونسية، حيث شدّد ناشطون على أن تحويل الخلاف السياسي إلى عنف جسدي يعد سابقة خطيرة تستوجب الإدانة الصارمة.
سياق أوسع: عودة لأساليب عهد بن علي؟
يثير هذا الاعتداء مخاوف من عودة ممارسات قمعية أشبه بما كان سائدًا في عهد الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي. فرغم أن نظام بن علي (1987-2011) كان يرتكز أساسًا على قمع المعارضين بالداخل عبر الاعتقال والتعذيب والمحاكمات الجائرة، إلا أنه لم يتورع عن ملاحقة بعض الأصوات المنتقدة في الخارج وإن بشكل غير معلن. الكثير من التونسيين المعارضين اضطروا للاحتماء بالمنفى خلال حكم بن علي، حيث كانوا عرضة للمراقبة الدائمة من أجهزة النظام واتباعه. وقد سُجّلت آنذاك حالات ترهيب وتهديد طالت معارضين في أوروبا، بما في ذلك مراقبة أنشطتهم في التجمعات والفعاليات الحقوقية، وقطع الخدمات القنصلية عنهم (مثل رفض تجديد جوازات السفر). ولعل أخطر صور القمع آنذاك كانت محاولات الاغتيال والتصفية الجسدية داخل تونس ضد منتقدي النظام. فعلى سبيل المثال، تعرض الصحفي رياض بن فضل لمحاولة اغتيال بإطلاق النار عليه أمام منزله في ماي 2000 عقب أيام من نشره مقالًا ينتقد بن علي. ورغم نفي النظام لأي دور له، إلا أنه لم يُعاقَب أي مسؤول عن تلك الحادثة. كما شهدت تلك الحقبة اعتداءات منظمة على ناشطين حقوقيين وصحفيين؛ إذ تعرضت الصحفية سهام بن سدرين للضرب على يد عناصر أمنية بملابس مدنية عام 2001 أثناء تجمع احتفالي بخروجها من السجن. مثل هذه السوابق تظهر أن النظام الدكتاتوري التونسي السابق استخدم العنف والترهيب لإسكات الخصوم، حتى وإن تطلب الأمر ملاحقتهم خارج الأطر الرسمية. واليوم، يخشى مراقبون أن يكون نظام قيس سعيّد قد استحضر بعض تلك الأساليب أو استلهمها، خاصة مع تكرار وقائع الاعتداء والتهديد بنفس الأسلوب ضد معارضيه.
يجدر التوقف عند حادثة أخرى حديثة في تونس تعكس نمطًا مشابهًا لما وقع لإلياس الشواشي: فقد تعرضت الناشطة السياسية شيماء عيسى (وهي معارضة بارزة ضمن “جبهة الخلاص الوطني”) لمحاولة اعتداء جسدي وسط شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس يوم 27 جوان 2025. حيث تقدم نحوها شخص موجّهًا نفس العبارة الاستفزازية “ما هي مشكلتك مع قيس سعيّد؟” وحاول الاعتداء عليها، لولا تدخل الأمن لمنع تطور الأمر إلى عنف جسدي. تكرار نفس العبارة المفتاحية في حادثتي إلياس بفرنسا وشيماء عيسى بتونس خلال نفس الأسبوع يثير الريبة حول وجود توجيه أو تحريض ممنهج وراء الكواليس. وقد ألمحت المحامية دليلة مصدّق إلى احتمال وجود خطة منظمة لاستهداف المعارضين بهذه الطريقة، ورجّحت أنها “استراتيجية كلاسيكية لكنها خطيرة” بدأت تطفو على السطح.
إن استهداف النشطاء خارج حدود البلاد يمثل تصعيدًا غير مسبوق في المشهد التونسي ما بعد الثورة، ويُنذر بتداعيات خطيرة على سمعة الدولة وأمن مواطنيها في الخارج. وعلى الدول التي يقيم بها النشطاء التونسيون أن تنتبه جيدًا لهذه الممارسات وأن تتعامل معها بحزم لأنها تنتهك سيادتها وأمن المقيمين على أراضيها.
استهداف المعارضين في الخارج: ظاهرة عابرة للديكتاتوريات
لا تقتصر سياسة ملاحقة المعارضين في الخارج على النظام التونسي الحالي فحسب، بل هي نهج شائع لدى الأنظمة الديكتاتورية عبر العالم وخاصة في المنطقة العربية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في حوادث الاعتداء أو الخطف أو التضييق على معارضين سياسيين خارج أوطانهم على أيدي عملاء أنظمتهم. فيما يلي عرض لأمثلة بارزة تؤكد خطورة هذه الظاهرة:
- الحالة الجزائرية: في أفريل 2024 تعرّض المدوّن والمعارض الجزائري أمير بوخز المعروف باسم “أمير DZ ” لعملية اختطاف في ضاحية بباريس، حيث اختفى لمدة 27 ساعة قبل أن يُطلق سراحه. كشفت التحقيقات أن مجموعة الخاطفين كانت تابعة للاستخبارات الجزائرية، وقد نفّذت العملية بأسلوب احترافي على الأراضي الفرنسية: انتحلوا صفة رجال شرطة عبر ارتداء سترات رسمية ووضعوا أمير DZ في الأصفاد ثم نقلوه إلى موقع معزول. خلال الاختطاف أوهمه الخاطفون بأنه سيُسَلَّم لمسؤول جزائري، وهو ما لم يحدث قبل أن يضطروا لإخلاء سبيله لاحقًا. أمير DZ – الذي يتمتع بوضع لاجئ سياسي في فرنسا منذ 2023 – يعدّ من أبرز منتقدي النظام الجزائري عبر الإنترنت (يتابعه أكثر من مليون شخص). وقد أثار اختطافه أزمة دبلوماسية حادة بين فرنسا والجزائر، خاصة بعد أن اعتقلت السلطات الفرنسية 3 مشتبهين جزائريين بينهم موظف في القنصلية الجزائرية ووجّهت لهم تهمًا جنائية خطيرة تتعلق بالاختطاف ضمن إطار عمل إرهابي. ردًا على ذلك، أقدمت الجزائر على طرد 12 مسؤولًا فرنسيًا في تصعيد دبلوماسي واضح. تُظهر هذه القضية إلى أي مدى قد يذهب نظام سلطوي في انتهاك سيادة دولة أخرى ومحاولة اختطاف أحد منتقديه خارج الحدود، الأمر الذي اعتبرته منظمات حقوقية سابقة خطيرة في أوروبا.
- الحالة المصرية: انتهج نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر سياسة صارمة لإسكات المعارضين في الخارج عبر حزمة وسائل متنوعة تشمل التهديد المباشر، والتجسس، ومحاولات الاستدراج، وحتى استهداف عائلات المعارضين. ففي واقعة صادمة عام 2019، ظهرت وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم في تسجيل مصوّر وهي تخاطب أفرادًا من الجالية المصرية في كندا بلهجة تهديد صريحة قائلة “أي حد يقول كلمة على بلدنا من برّه… يتقطّع”، في إشارة واضحة إلى أن منتقدي النظام خارج مصر قد يطالهم أذى جسدي. لم يكن هذا التصريح المعزول فريدًا؛ إذ كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) عام 2022 عن توقيف شخص مزدوج الجنسية (مصري-أمريكي) يدعى بيير جرجس بتهمة العمل كعميل غير قانوني لصالح حكومة مصر لرصد وتحسس أنشطة معارضين مقيمين في الولايات المتحدة. وكذلك في ألمانيا، وُجه الاتهام إلى موظف في مكتب المستشارة عام 2020 بتهمة التجسس لصالح المخابرات المصرية ومراقبة الجالية هناك. إلى جانب ذلك، استخدمت القاهرة أدوات قانونية دولية لملاحقة معارضين في الخارج؛ من ذلك استغلال الإنتربول لإصدار مذكرات توقيف حمراء ضد شخصيات معارضة بارزة. على سبيل المثال، في جوان 2015 تم توقيف الإعلامي المصري المعارض أحمد منصور في مطار بألمانيا بناءً على طلب مصري زعم تورطه بجرائم، قبل أن تفرج عنه السلطات الألمانية لعدم صحة الاتهامات. كما يلجأ النظام المصري لأساليب غير مباشرة بهدف الضغط على المعارضين المنفيين، مثل سحب جوازات سفرهم أو رفض تجديدها وحرمانهم من الوثائق الرسمية، وبلغ الأمر حدّ إسقاط الجنسية عن بعضهم. فقد وثّقت منظمات حقوقية حالة الناشطة السياسية غادة نجيب التي جرّدتها السلطات من جنسيتها المصرية أواخر 2020 بسبب معارضتها، فضلًا عن تهديد آخرين بالإجراء ذاته. كذلك تقوم أجهزة الأمن المصريّة بـاعتقال وتعذيب أفراد من أسر المعارضين في الداخل كوسيلة ابتزاز لإسكات صوت ذويهم في الخارج. هذه الممارسات مجتمعة دفعت عشرات النشطاء المصريين المنفيين إلى توخّي حذر شديد في تحركاتهم، وتجنب السفر إلى دول قد تتعاون مع القاهرة في ترحيلهم، فضلًا عن اعتمادهم على شبكات حماية قانونية دولية. إنها سياسة “القمع العابر للحدود” التي أصبح النظام المصري أحد أبرز ممثليها في المنطقة.
- الحالة السعودية: تعتبر المملكة العربية السعودية مثالًا صارخًا على مدى تطرف بعض الأنظمة في استهداف معارضيها خارج أراضيها. وقد كشفت حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية عام 2018 للعالم مستوى الوحشية الذي يمكن أن يصل إليه القمع السياسي. فقد دبّر مسؤولون سعوديون عملية قتل خاشقجي وتقطيع جثمانه داخل مبنى القنصلية بطريقة مروعة، فقط لأنه جاهر بانتقاد سياسات ولي العهد السعودي. أثارت الجريمة غضبًا دوليًا عارمًا ودفعت العديد من الدول للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها. ورغم ذلك، لم تتراجع السلطات السعودية عن ملاحقة معارضيها بكافة السبل؛ فإضافة إلى الاعتقالات التعسفية في الداخل، واصلت استخدام التكنولوجيا التجسسية الحديثة لتعقّب النشطاء في الخارج. حيث كشفت تحقيقات تقنية استعانة الرياض (وأبوظبي حليفتها) ببرامج تجسس متطورة مثل بيغاسوس الإسرائيلي لاختراق هواتف معارضين في دول مختلفة. إن حادثة خاشقجي، إلى جانب تقارير عن محاولات خطف أمراء ومعارضين سعوديين في أوروبا في سنوات سابقة، تعكس نهجًا منهجيًا لدى بعض الأنظمة الخليجية قائم على تصفية الحسابات خارج حدود الدولة دون اكتراث بالقانون الدولي أو سيادة الدول الأخرى.
إن الأمثلة أعلاه – من تونس إلى الجزائر ومصر والسعودية وغيرها – تؤكد أن القمع الموجّه ضد المعارضين في الخارج بات ظاهرة عالمية متصاعدة. وتتنوع أدوات هذا القمع بين أساليب خشنة (كالاغتيال والاختطاف والاعتداء الجسدي) وأساليب ناعمة (كالتهديد والتجسس الإلكتروني والابتزاز بأفراد العائلة أو بالوثائق الرسمية). وجميعها تشترك في انتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان الأساسية وللقوانين الدولية التي تكفل حق كل إنسان في الأمن الشخصي وحرية التعبير أينما كان.
- التوصيات: حماية النشطاء والمعارضين في الخارج
أمام خطورة هذه الممارسات، يقدّم مرصد الحرية لتونس (وهو هيئة حقوقية معنية برصد انتهاكات حقوق الإنسان ضد التونسيين) جملة من التوصيات والإجراءات الوقائية للناشطين والمعارضين السياسيين المقيمين خارج أوطانهم، وذلك لضمان سلامتهم الشخصية والقانونية:
- إبلاغ سلطات البلد المضيف وطلب الحماية: يجب على أي معارض يشعر بتهديد أمني في بلد إقامته أن يبادر فورًا إلى إبلاغ سلطات ذلك البلد (الشرطة أو أجهزة الأمن المختصة). إن تقديم شكوى رسمية وتوثيق أي حادثة تهديد أو اعتداء هو خطوة أساسية لضمان تحرك القانون لحمايته. فقد قام إلياس الشواشي مثلًا بإيداع شكوى لدى الشرطة الفرنسية عقب الاعتداء عليه، وهذا ما أدى إلى فتح تحقيق رسمي في الواقعة. إن قوانين الدول الديمقراطية (مثل دول الاتحاد الأوروبي) تجرّم الاعتداءات والتهديدات أيًا كان مصدرها، وتُلزم سلطاتها بحماية كل مقيم على أراضيها. وبالتالي، فإن التعاون الكامل مع سلطات البلد المضيف وتزويدها بالمعلومات والأدلة المتاحة (كصور المعتدين أو تسجيلات التهديد) ضروري لملاحقة الفاعلين وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
- اليقظة واتخاذ احتياطات أمنية شخصية: ينصح المرصد النشطاء باتباع قواعد السلامة الشخصية في حياتهم اليومية. يشمل ذلك تجنّب التحركات المنفردة في أوقات وأماكن معزولة قدر الإمكان، وإبلاغ أصدقائهم أو أفراد موثوقين بمخططات تنقلهم أو لقاءاتهم. كما يُفضّل تجنّب اللقاءات غير الضرورية مع أشخاص غرباء أو تلبية دعوات مشبوهة، خاصة إذا كانت صادرة عن سفارات أو جهات قد تكون على صلة بنظامهم الذي يعارضونه. في هذا السياق، يُحذَّر المعارضون من التردد على مقار البعثات الدبلوماسية لبلدانهم الأصلية (سفارات أو قنصليات) إلا للضرورة القصوى ومع ضمانات، إذ أظهرت بعض الحالات (مثل قضية خاشقجي) أن السفارات قد تُستغل كفخ لاستدراجهم. كذلك ينبغي الحذر عند استخدام وسائل التواصل الإلكترونية؛ فتقنيات الاختراق والتجسس قد تُستخدم لاستهداف هواتفهم أو حواسيبهم عن بُعد. لذا يُنصح بتفعيل إجراءات تأمين إضافية (كالمصادقة الثنائية وتحديث برمجيات الحماية) وعدم إفشاء معلومات حساسة عبر وسائل غير مؤمّنة.
- توثيق الانتهاكات والتواصل مع المنظمات الدولية: على المعارضين في الخارج توثيق أي حوادث تهديد أو تحرش يتعرضون لها بشكل دقيق (تسجيل فيديو أو صوت للواقعة إن أمكن، الاحتفاظ برسائل التهديد، تدوين أوصاف الفاعلين… إلخ). هذا التوثيق يفيد في بناء ملف متكامل يمكن مشاركته مع منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش أو غيرهما. تقوم هذه المنظمات بدور مهم في إيصال صوت الضحايا إلى المحافل الدولية والضغط على الحكومات المعنية. كما يُمكن التواصل مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة (مثل المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، أو المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير) عبر تقديم بلاغات رسمية لهم عن أي اعتداء أو تهديد ذي طابع سياسي. هذه البلاغات تسهم في إدراج تلك الانتهاكات ضمن التقارير الأممية ومساءلة الدول المتورطة. وقد أصدرت بالفعل مجموعة من المنظمات نداءات تُندّد بتعقب النشطاء في الخارج وتدعو لوقف “القمع العابر للحدود” كما في الحالة المصرية، مما يُعطي زخمًا لقضية حماية المنفيين.
- التحرك القانوني الدولي وملاحقة الجناة قضائيًا: بالإضافة إلى مسار الشكاوى المحلية في بلد الإقامة، يمكن بحث خيارات قانونية على المستوى الدولي. إذا ثبت تورط أجهزة دولة ما في التخطيط أو التنفيذ لاعتداء على معارض في الخارج، فإن ذلك قد يرقى إلى انتهاك خطير للقانون الدولي (بل وحتى إلى عمل عدائي يُبرر الرد الدبلوماسي القوي من جانب دولة المقر). يمكن للضحايا ومحاميهم النظر في رفع قضايا جنائية أمام المحاكم المحلية ضد الشخصيات أو الجهات المتورطة (كما حدث في فرنسا ضد عناصر المخابرات الجزائرية في قضية أمير DZ وفي حال تمتع بعض المتورطين بحصانة دبلوماسية، يمكن العمل عبر وزارة خارجية البلد المضيف لطردهم أو إعلانهم شخصًا غير مرغوب فيه وطلب رفع الحصانة إن أمكن لمقاضاتهم. كذلك على الدول المضيفة تفعيل تعاونها الأمني مع دول أوروبية أخرى لتبادل المعلومات حول شبكات الملاحقة التي تنشط عبر الحدود، لأن العديد من هذه الحوادث قد يكون جزءًا من نمط أوسع (Cross-border Repression) مرصود من قبل وكالات إنفاذ القانون الدولية. ويدعو المرصد أيضًا إلى إمكانية اللجوء لـهيئات العدالة الدولية في بعض الحالات القصوى؛ فمثلًا إذا أدى اعتداء ما إلى وفاة أو إصابة خطيرة ولم تتم مساءلة المسؤولين فيمكن التفكير في اختصاص المحاكم الدولية (كمحكمة الجنايات الدولية) إن انطبقت المعايير، أو الاستفادة من مبدأ الولاية القضائية العالمية في ملاحقة مجرمي التعذيب والاغتيال السياسي عبر الدول.
- رفع الوعي وتحذير النشطاء عبر المرصد والمنظمات الشبيهة: سيتولى مرصد الحرية لتونس إصدار نشرات دورية وتحذيرات لتنبيه الجاليات التونسية والمعارضين في الخارج إلى خطورة هذه الممارسات. كما سيدعو المرصد كافة النشطاء السياسيين والإعلاميين المقيمين خارج تونس إلى توخي أقصى درجات الحيطة، وإلى التضامن فيما بينهم لتبادل المعلومات بشأن أي تحركات مريبة. ويوصي المرصد بتشكيل شبكات دعم محلية بين النشطاء في بلدان المهجر، بحيث يكونون على اتصال دائم ويمكنهم التحرك جماعيًا في حال تعرض أحدهم لأي خطر أو مضايقة. إضافة إلى ذلك، سيعمل المرصد على التنسيق مع نظيراته في دول عربية وأجنبية تواجه الظاهرة نفسها، لتبادل الخبرات ووضع آليات إنذار مبكر متى ما لوحظ تصاعد في نشاط أجهزة القمع العابرة للحدود التابعة لأي نظام. وفي هذا الصدد، سيكون التركيز منصبًا على رصد أي استراتيجية ممنهجة قد يتبناها النظام التونسي الحالي لاستهداف معارضيه بالخارج، وتعميمها على المستوى الدولي فور توفّر الأدلة، بهدف وضع حد لها قبل أن تتفاقم.
خلاصة واستنتاجات:
إن حادثة الاعتداء على إلياس الشواشي في فرنسا، وما تبعها من مؤشرات حول امتداد التضييق السياسي التونسي إلى الخارج، تمثل جرس إنذار خطير. فهي توضح أن الخطاب التحريضي والقمع الداخلي في تونس بدأ يتجاوز الحدود، بما يذكّر بأساليب أنظمة دكتاتورية إقليمية لم تتوانَ عن ملاحقة معارضيها أينما ذهبوا. إن مرصد الحرية لتونس إذ يدين بشدة هذا الاعتداء وكل أشكال ترهيب النشطاء والمعارضين، فإنه يدعو السلطات التونسية إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية في احترام حقوق الإنسان ووقف التحريض ضد المخالفين في الرأي. كما يطالب المرصدُ الدولَ التي تستضيف معارضين من تونس أو غيرها أن تتحلى باليقظة والصرامة حيال أي محاولات انتهاك تقع على أراضيها، وأن تبعث برسالة واضحة مفادها أن يد القمع لن تطال الآمنين في المهجر.
وفي النهاية، تؤكد هذه التطورات الحاجة الملحّة إلى تكاتف المجتمع الحقوقي الدولي لوقف موجة القمع العابر للحدود. فاستهداف أصحاب الرأي بسبب مواقفهم السياسية – سواء جرى ذلك في وطنهم أو على أرض المنفى – هو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان الكونية لا يجوز السكوت عنه. وسيواصل مرصد الحرية لتونس عمله في توثيق هذه الانتهاكات ورفع الصوت عاليًا دفاعًا عن حق التونسيين وكل الشعوب في حرية التعبير والأمان الشخصي دون خوف من بطش أو انتقام، أينما كانوا حول العالم.
المصادر والهوامش:
- فيديو وتصريحات إلياس الشواشي حول الاعتداء (29 جوان 2025) ultratunisia.ultrasawt.comultratunisia.ultrasawt.com
- بيان حزب التيار الديمقراطي حول الحادثة وتحميله السلطة مسؤولية التحريضultratunisia.ultrasawt.comultratunisia.ultrasawt.com.
- تدوينة المحامية دليلة مصدّق بخصوص الاعتداء وتأكيدها وجود تخطيط مسبق (جوان 2025)ultratunisia.ultrasawt.com.
- محاولة اعتداء مماثلة على الناشطة شيماء عيسى في تونس (جوان 2025)ultratunisia.ultrasawt.com.
- سجل انتهاكات نظام بن علي ضد معارضيه (مثال: محاولة اغتيال الصحفي رياض بن فضل عام 2000)refworld.org.
- تفاصيل محاولة اختطاف المدون الجزائري أمير DZ في فرنسا وتدخل السلطات الفرنسية (2024)apnews.comapnews.com.
- توثيق تهديدات النظام المصري ضد معارضيه في الخارج وأساليب القمع العابرة للحدود (تصريح وزيرة الهجرة 2019، وقضايا تجسس واعتقالات)arabcenterdc.orgarabcenterdc.orgarabcenterdc.orgarabcenterdc.org.
- جريمة اغتيال جمال خاشقجي واستخدام السعودية للتجسس ضد المعارضينarabcenterdc.orgarabcenterdc.org.
- دعوات منظمات حقوقية لوقف الملاحقات ضد المعارضين المنفيين وضمان حمايتهمomct.org.