Skip links

تونس تُقلّد الجزائر ومصر وتتبنى سياسة “القمع العابر للحدود” وتشرع في استهداف المعارضين بالخارج

شهدت مدينة ليون الفرنسية مساء الأحد 29 جوان 2025 حادثة اعتداء خطيرة استهدفت الناشط التونسي إلياس الشواشي )نجل المعتقل السياسي غازي الشواشي). تعرض إلياس لهجوم جسدي ولفظي من قبل شخصين تونسيين، حيث ترصدا حركته ووجها له تهديدات مباشرة. تميز الاعتداء بطابع سياسي واضح؛ إذ بادر المهاجمان بسؤاله بشكل موحّد: “ما هي مشكلتك مع قيس سعيّد؟” في إشارة إلى انتقاده للرئيس التونسي قيس سعيّد…

مقدمة

شهدت مدينة ليون الفرنسية مساء الأحد 29 جوان 2025 حادثة اعتداء خطيرة استهدفت الناشط التونسي إلياس الشواشي )نجل المعتقل السياسي غازي الشواشي). تعرض إلياس لهجوم جسدي ولفظي من قبل شخصين تونسيين، حيث ترصدا حركته ووجها له تهديدات مباشرة. تميز الاعتداء بطابع سياسي واضح؛ إذ بادر المهاجمان بسؤاله بشكل موحّد: “ما هي مشكلتك مع قيس سعيّد؟” في إشارة إلى انتقاده للرئيس التونسي قيس سعيّد. تلا ذلك محاولةٌ لافتكاك هاتفه بالقوة، وتهديدٌ له بالعنف إن واصل انتقاد سعيّد، قبل أن يعمد المعتديان إلى ضربه جسديًا. قام إلياس الشواشي إثر ذلك بتقديم شكوى رسمية لدى السلطات الفرنسية التي باشرت التحقيق وتفريغ كاميرات المراقبة للتعرّف على الجُناة. تُعدّ هذه الحادثة سابقة مقلقة تتجاوز الحدود الوطنية، إذ توحي بأن الأصوات المعارضة حتى خارج تونس لم تعد في مأمن من الملاحقة والتضييق.

تفاصيل الحادثة ودلالاتها:

بحسب شهادة إلياس الشواشي، اعترض طريقه شخصان وسط الشارع في مدينة ليون (قرب قنصلية تونس) وقاما باستجوابه حول مواقفه المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيّد. حاول المعتديان خطف هاتف إلياس، وهدداه صراحةً بالاعتداء إن استمر في انتقاد سعيّد. ثم نفذا تهديدهما واعتديا عليه بدنيًا قبل أن يلوذا بالفرار. يشير تكرار سؤال ما مشكلتك مع قيس سعيّد؟ من قبل المهاجمين إلى أن الاعتداء لم يكن عفويًا، بل يبدو نتيجة ترصّد وتخطيط مسبق لاستهداف ناشط معارض. وقد أكّدت ذلك المحامية التونسية دليلة مصدّق (التي تتابع قضايا معتقلي الرأي) إذ أوضحت أن تكرار الجملة على لسان المعتدين “يكشف عن تخطيط مسبق”، ووصفت الحادثة بأنها “تصرفات ميليشيات مأجورة… تُعدّ وصمة عار”.

إن خطورة هذه الواقعة لا تكمن في الاعتداء المادي فحسب، بل في الدلالة السياسية والأمنية لها. فهي تشير إلى محاولة إسكات صوت معارض خارج حدود الوطن، وربما محو أدلة او تعقب لقاءاته المتعلقة بنشاطه السياسي من خلال السعي لسرقة هاتفه. وقد أكّد حزب التيار الديمقراطي (حزب معارض كان والده غازي الشواشي أحد قيادييه) أن هذا الاعتداء جاء في مناخ “القمع والتضييق الذي يعيشه المعارضون في الداخل والخارج”، معتبرًا محاولة افتكاك الهاتف “محاولة مكشوفة لإسكات الأصوات المعارضة ومحو الأدلة”.  كما حمل الحزبُ السلطات التونسية الحالية مسؤولية تصاعد خطاب التحريض والتخوين ضد المعارضين، والذي أدى إلى مثل هذه الاعتداءات. ويرى مراقبون أن الخطاب الرسمي التحريضي الذي دأب عليه الرئيس قيس سعيّد ضد خصومه، خلق مناخًا مشحونًا قد يدفع بعض أنصاره لأخذ المبادرة بالاعتداء على المعارضين سواء داخل البلاد أو خارجها.

من الجدير بالذكر أن عائلة غازي الشواشي (والد إلياس) تتعرض لملاحقات متعددة؛ فإلياس نفسه يواجه سلسلة قضايا في تونس بسبب دفاعه عن والده المعتقل، بعضها بتهم خطيرة مثل “ارتكاب أمر موحش ضد الرئيس” و”الانضمام لتنظيم إرهابي” رغم أنه مقيم في فرنسا. وهذا يؤكد أن الاستهداف تجاوز الإطار القضائي الرسمي إلى استهداف شخصي حتى في الخارج. وقد أثارت حادثة الاعتداء على إلياس موجة استنكار وتضامن واسعة في الأوساط الحقوقية التونسية، حيث شدّد ناشطون على أن تحويل الخلاف السياسي إلى عنف جسدي يعد سابقة خطيرة تستوجب الإدانة الصارمة.

سياق أوسع: عودة لأساليب عهد بن علي؟

يثير هذا الاعتداء مخاوف من عودة ممارسات قمعية أشبه بما كان سائدًا في عهد الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي. فرغم أن نظام بن علي (1987-2011) كان يرتكز أساسًا على قمع المعارضين بالداخل عبر الاعتقال والتعذيب والمحاكمات الجائرة، إلا أنه لم يتورع عن ملاحقة بعض الأصوات المنتقدة في الخارج وإن بشكل غير معلن. الكثير من التونسيين المعارضين اضطروا للاحتماء بالمنفى خلال حكم بن علي، حيث كانوا عرضة للمراقبة الدائمة من أجهزة النظام واتباعه. وقد سُجّلت آنذاك حالات ترهيب وتهديد طالت معارضين في أوروبا، بما في ذلك مراقبة أنشطتهم في التجمعات والفعاليات الحقوقية، وقطع الخدمات القنصلية عنهم (مثل رفض تجديد جوازات السفر). ولعل أخطر صور القمع آنذاك كانت محاولات الاغتيال والتصفية الجسدية داخل تونس ضد منتقدي النظام. فعلى سبيل المثال، تعرض الصحفي رياض بن فضل لمحاولة اغتيال بإطلاق النار عليه أمام منزله في ماي 2000 عقب أيام من نشره مقالًا ينتقد بن علي. ورغم نفي النظام لأي دور له، إلا أنه لم يُعاقَب أي مسؤول عن تلك الحادثة. كما شهدت تلك الحقبة اعتداءات منظمة على ناشطين حقوقيين وصحفيين؛ إذ تعرضت الصحفية سهام بن سدرين للضرب على يد عناصر أمنية بملابس مدنية عام 2001 أثناء تجمع احتفالي بخروجها من السجن. مثل هذه السوابق تظهر أن النظام الدكتاتوري التونسي السابق استخدم العنف والترهيب لإسكات الخصوم، حتى وإن تطلب الأمر ملاحقتهم خارج الأطر الرسمية. واليوم، يخشى مراقبون أن يكون نظام قيس سعيّد قد استحضر بعض تلك الأساليب أو استلهمها، خاصة مع تكرار وقائع الاعتداء والتهديد بنفس الأسلوب ضد معارضيه.

يجدر التوقف عند حادثة أخرى حديثة في تونس تعكس نمطًا مشابهًا لما وقع لإلياس الشواشي: فقد تعرضت الناشطة السياسية شيماء عيسى (وهي معارضة بارزة ضمن “جبهة الخلاص الوطني”) لمحاولة اعتداء جسدي وسط شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس يوم 27 جوان 2025. حيث تقدم نحوها شخص موجّهًا نفس العبارة الاستفزازية “ما هي مشكلتك مع قيس سعيّد؟” وحاول الاعتداء عليها، لولا تدخل الأمن لمنع تطور الأمر إلى عنف جسدي. تكرار نفس العبارة المفتاحية في حادثتي إلياس بفرنسا وشيماء عيسى بتونس خلال نفس الأسبوع يثير الريبة حول وجود توجيه أو تحريض ممنهج وراء الكواليس. وقد ألمحت المحامية دليلة مصدّق إلى احتمال وجود خطة منظمة لاستهداف المعارضين بهذه الطريقة، ورجّحت أنها “استراتيجية كلاسيكية لكنها خطيرة” بدأت تطفو على السطح.

إن استهداف النشطاء خارج حدود البلاد يمثل تصعيدًا غير مسبوق في المشهد التونسي ما بعد الثورة، ويُنذر بتداعيات خطيرة على سمعة الدولة وأمن مواطنيها في الخارج. وعلى الدول التي يقيم بها النشطاء التونسيون أن تنتبه جيدًا لهذه الممارسات وأن تتعامل معها بحزم لأنها تنتهك سيادتها وأمن المقيمين على أراضيها.

استهداف المعارضين في الخارج: ظاهرة عابرة للديكتاتوريات

لا تقتصر سياسة ملاحقة المعارضين في الخارج على النظام التونسي الحالي فحسب، بل هي نهج شائع لدى الأنظمة الديكتاتورية عبر العالم وخاصة في المنطقة العربية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في حوادث الاعتداء أو الخطف أو التضييق على معارضين سياسيين خارج أوطانهم على أيدي عملاء أنظمتهم. فيما يلي عرض لأمثلة بارزة تؤكد خطورة هذه الظاهرة:

  • الحالة الجزائرية: في أفريل 2024 تعرّض المدوّن والمعارض الجزائري أمير بوخز المعروف باسم أمير DZ ” لعملية اختطاف في ضاحية بباريس، حيث اختفى لمدة 27 ساعة قبل أن يُطلق سراحه. كشفت التحقيقات أن مجموعة الخاطفين كانت تابعة للاستخبارات الجزائرية، وقد نفّذت العملية بأسلوب احترافي على الأراضي الفرنسية: انتحلوا صفة رجال شرطة عبر ارتداء سترات رسمية ووضعوا أمير DZ في الأصفاد ثم نقلوه إلى موقع معزول. خلال الاختطاف أوهمه الخاطفون بأنه سيُسَلَّم لمسؤول جزائري، وهو ما لم يحدث قبل أن يضطروا لإخلاء سبيله لاحقًا. أمير DZ – الذي يتمتع بوضع لاجئ سياسي في فرنسا منذ 2023 – يعدّ من أبرز منتقدي النظام الجزائري عبر الإنترنت (يتابعه أكثر من مليون شخص). وقد أثار اختطافه أزمة دبلوماسية حادة بين فرنسا والجزائر، خاصة بعد أن اعتقلت السلطات الفرنسية 3 مشتبهين جزائريين بينهم موظف في القنصلية الجزائرية ووجّهت لهم تهمًا جنائية خطيرة تتعلق بالاختطاف ضمن إطار عمل إرهابي. ردًا على ذلك، أقدمت الجزائر على طرد 12 مسؤولًا فرنسيًا في تصعيد دبلوماسي واضح. تُظهر هذه القضية إلى أي مدى قد يذهب نظام سلطوي في انتهاك سيادة دولة أخرى ومحاولة اختطاف أحد منتقديه خارج الحدود، الأمر الذي اعتبرته منظمات حقوقية سابقة خطيرة في أوروبا.
  • الحالة المصرية: انتهج نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر سياسة صارمة لإسكات المعارضين في الخارج عبر حزمة وسائل متنوعة تشمل التهديد المباشر، والتجسس، ومحاولات الاستدراج، وحتى استهداف عائلات المعارضين. ففي واقعة صادمة عام 2019، ظهرت وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم في تسجيل مصوّر وهي تخاطب أفرادًا من الجالية المصرية في كندا بلهجة تهديد صريحة قائلة “أي حد يقول كلمة على بلدنا من برّه… يتقطّع”، في إشارة واضحة إلى أن منتقدي النظام خارج مصر قد يطالهم أذى جسدي. لم يكن هذا التصريح المعزول فريدًا؛ إذ كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) عام 2022 عن توقيف شخص مزدوج الجنسية (مصري-أمريكي) يدعى بيير جرجس بتهمة العمل كعميل غير قانوني لصالح حكومة مصر لرصد وتحسس أنشطة معارضين مقيمين في الولايات المتحدة. وكذلك في ألمانيا، وُجه الاتهام إلى موظف في مكتب المستشارة عام 2020 بتهمة التجسس لصالح المخابرات المصرية ومراقبة الجالية هناك. إلى جانب ذلك، استخدمت القاهرة أدوات قانونية دولية لملاحقة معارضين في الخارج؛ من ذلك استغلال الإنتربول لإصدار مذكرات توقيف حمراء ضد شخصيات معارضة بارزة. على سبيل المثال، في جوان 2015 تم توقيف الإعلامي المصري المعارض أحمد منصور في مطار بألمانيا بناءً على طلب مصري زعم تورطه بجرائم، قبل أن تفرج عنه السلطات الألمانية لعدم صحة الاتهامات. كما يلجأ النظام المصري لأساليب غير مباشرة بهدف الضغط على المعارضين المنفيين، مثل سحب جوازات سفرهم أو رفض تجديدها وحرمانهم من الوثائق الرسمية، وبلغ الأمر حدّ إسقاط الجنسية عن بعضهم. فقد وثّقت منظمات حقوقية حالة الناشطة السياسية غادة نجيب التي جرّدتها السلطات من جنسيتها المصرية أواخر 2020 بسبب معارضتها، فضلًا عن تهديد آخرين بالإجراء ذاته. كذلك تقوم أجهزة الأمن المصريّة بـاعتقال وتعذيب أفراد من أسر المعارضين في الداخل كوسيلة ابتزاز لإسكات صوت ذويهم في الخارج. هذه الممارسات مجتمعة دفعت عشرات النشطاء المصريين المنفيين إلى توخّي حذر شديد في تحركاتهم، وتجنب السفر إلى دول قد تتعاون مع القاهرة في ترحيلهم، فضلًا عن اعتمادهم على شبكات حماية قانونية دولية. إنها سياسة القمع العابر للحدود” التي أصبح النظام المصري أحد أبرز ممثليها في المنطقة.
  • الحالة السعودية: تعتبر المملكة العربية السعودية مثالًا صارخًا على مدى تطرف بعض الأنظمة في استهداف معارضيها خارج أراضيها. وقد كشفت حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية عام 2018 للعالم مستوى الوحشية الذي يمكن أن يصل إليه القمع السياسي. فقد دبّر مسؤولون سعوديون عملية قتل خاشقجي وتقطيع جثمانه داخل مبنى القنصلية بطريقة مروعة، فقط لأنه جاهر بانتقاد سياسات ولي العهد السعودي. أثارت الجريمة غضبًا دوليًا عارمًا ودفعت العديد من الدول للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها. ورغم ذلك، لم تتراجع السلطات السعودية عن ملاحقة معارضيها بكافة السبل؛ فإضافة إلى الاعتقالات التعسفية في الداخل، واصلت استخدام التكنولوجيا التجسسية الحديثة لتعقّب النشطاء في الخارج. حيث كشفت تحقيقات تقنية استعانة الرياض (وأبوظبي حليفتها) ببرامج تجسس متطورة مثل بيغاسوس الإسرائيلي لاختراق هواتف معارضين في دول مختلفة. إن حادثة خاشقجي، إلى جانب تقارير عن محاولات خطف أمراء ومعارضين سعوديين في أوروبا في سنوات سابقة، تعكس نهجًا منهجيًا لدى بعض الأنظمة الخليجية قائم على تصفية الحسابات خارج حدود الدولة دون اكتراث بالقانون الدولي أو سيادة الدول الأخرى.

إن الأمثلة أعلاه – من تونس إلى الجزائر ومصر والسعودية وغيرها – تؤكد أن القمع الموجّه ضد المعارضين في الخارج بات ظاهرة عالمية متصاعدة. وتتنوع أدوات هذا القمع بين أساليب خشنة (كالاغتيال والاختطاف والاعتداء الجسدي) وأساليب ناعمة (كالتهديد والتجسس الإلكتروني والابتزاز بأفراد العائلة أو بالوثائق الرسمية). وجميعها تشترك في انتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان الأساسية وللقوانين الدولية التي تكفل حق كل إنسان في الأمن الشخصي وحرية التعبير أينما كان.

  • التوصيات: حماية النشطاء والمعارضين في الخارج

أمام خطورة هذه الممارسات، يقدّم مرصد الحرية لتونس (وهو هيئة حقوقية معنية برصد انتهاكات حقوق الإنسان ضد التونسيين) جملة من التوصيات والإجراءات الوقائية للناشطين والمعارضين السياسيين المقيمين خارج أوطانهم، وذلك لضمان سلامتهم الشخصية والقانونية:

  1. إبلاغ سلطات البلد المضيف وطلب الحماية: يجب على أي معارض يشعر بتهديد أمني في بلد إقامته أن يبادر فورًا إلى إبلاغ سلطات ذلك البلد (الشرطة أو أجهزة الأمن المختصة). إن تقديم شكوى رسمية وتوثيق أي حادثة تهديد أو اعتداء هو خطوة أساسية لضمان تحرك القانون لحمايته. فقد قام إلياس الشواشي مثلًا بإيداع شكوى لدى الشرطة الفرنسية عقب الاعتداء عليه، وهذا ما أدى إلى فتح تحقيق رسمي في الواقعة. إن قوانين الدول الديمقراطية (مثل دول الاتحاد الأوروبي) تجرّم الاعتداءات والتهديدات أيًا كان مصدرها، وتُلزم سلطاتها بحماية كل مقيم على أراضيها. وبالتالي، فإن التعاون الكامل مع سلطات البلد المضيف وتزويدها بالمعلومات والأدلة المتاحة (كصور المعتدين أو تسجيلات التهديد) ضروري لملاحقة الفاعلين وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
  2. اليقظة واتخاذ احتياطات أمنية شخصية: ينصح المرصد النشطاء باتباع قواعد السلامة الشخصية في حياتهم اليومية. يشمل ذلك تجنّب التحركات المنفردة في أوقات وأماكن معزولة قدر الإمكان، وإبلاغ أصدقائهم أو أفراد موثوقين بمخططات تنقلهم أو لقاءاتهم. كما يُفضّل تجنّب اللقاءات غير الضرورية مع أشخاص غرباء أو تلبية دعوات مشبوهة، خاصة إذا كانت صادرة عن سفارات أو جهات قد تكون على صلة بنظامهم الذي يعارضونه. في هذا السياق، يُحذَّر المعارضون من التردد على مقار البعثات الدبلوماسية لبلدانهم الأصلية (سفارات أو قنصليات) إلا للضرورة القصوى ومع ضمانات، إذ أظهرت بعض الحالات (مثل قضية خاشقجي) أن السفارات قد تُستغل كفخ لاستدراجهم. كذلك ينبغي الحذر عند استخدام وسائل التواصل الإلكترونية؛ فتقنيات الاختراق والتجسس قد تُستخدم لاستهداف هواتفهم أو حواسيبهم عن بُعد. لذا يُنصح بتفعيل إجراءات تأمين إضافية (كالمصادقة الثنائية وتحديث برمجيات الحماية) وعدم إفشاء معلومات حساسة عبر وسائل غير مؤمّنة.
  3. توثيق الانتهاكات والتواصل مع المنظمات الدولية: على المعارضين في الخارج توثيق أي حوادث تهديد أو تحرش يتعرضون لها بشكل دقيق (تسجيل فيديو أو صوت للواقعة إن أمكن، الاحتفاظ برسائل التهديد، تدوين أوصاف الفاعلين… إلخ). هذا التوثيق يفيد في بناء ملف متكامل يمكن مشاركته مع منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش أو غيرهما. تقوم هذه المنظمات بدور مهم في إيصال صوت الضحايا إلى المحافل الدولية والضغط على الحكومات المعنية. كما يُمكن التواصل مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة (مثل المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، أو المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير) عبر تقديم بلاغات رسمية لهم عن أي اعتداء أو تهديد ذي طابع سياسي. هذه البلاغات تسهم في إدراج تلك الانتهاكات ضمن التقارير الأممية ومساءلة الدول المتورطة. وقد أصدرت بالفعل مجموعة من المنظمات نداءات تُندّد بتعقب النشطاء في الخارج وتدعو لوقف “القمع العابر للحدود” كما في الحالة المصرية، مما يُعطي زخمًا لقضية حماية المنفيين.
  4. التحرك القانوني الدولي وملاحقة الجناة قضائيًا: بالإضافة إلى مسار الشكاوى المحلية في بلد الإقامة، يمكن بحث خيارات قانونية على المستوى الدولي. إذا ثبت تورط أجهزة دولة ما في التخطيط أو التنفيذ لاعتداء على معارض في الخارج، فإن ذلك قد يرقى إلى انتهاك خطير للقانون الدولي (بل وحتى إلى عمل عدائي يُبرر الرد الدبلوماسي القوي من جانب دولة المقر). يمكن للضحايا ومحاميهم النظر في رفع قضايا جنائية أمام المحاكم المحلية ضد الشخصيات أو الجهات المتورطة (كما حدث في فرنسا ضد عناصر المخابرات الجزائرية في قضية أمير DZ وفي حال تمتع بعض المتورطين بحصانة دبلوماسية، يمكن العمل عبر وزارة خارجية البلد المضيف لطردهم أو إعلانهم شخصًا غير مرغوب فيه وطلب رفع الحصانة إن أمكن لمقاضاتهم. كذلك على الدول المضيفة تفعيل تعاونها الأمني مع دول أوروبية أخرى لتبادل المعلومات حول شبكات الملاحقة التي تنشط عبر الحدود، لأن العديد من هذه الحوادث قد يكون جزءًا من نمط أوسع (Cross-border Repression) مرصود من قبل وكالات إنفاذ القانون الدولية. ويدعو المرصد أيضًا إلى إمكانية اللجوء لـهيئات العدالة الدولية في بعض الحالات القصوى؛ فمثلًا إذا أدى اعتداء ما إلى وفاة أو إصابة خطيرة ولم تتم مساءلة المسؤولين فيمكن التفكير في اختصاص المحاكم الدولية (كمحكمة الجنايات الدولية) إن انطبقت المعايير، أو الاستفادة من مبدأ الولاية القضائية العالمية في ملاحقة مجرمي التعذيب والاغتيال السياسي عبر الدول.
  5. رفع الوعي وتحذير النشطاء عبر المرصد والمنظمات الشبيهة: سيتولى مرصد الحرية لتونس إصدار نشرات دورية وتحذيرات لتنبيه الجاليات التونسية والمعارضين في الخارج إلى خطورة هذه الممارسات. كما سيدعو المرصد كافة النشطاء السياسيين والإعلاميين المقيمين خارج تونس إلى توخي أقصى درجات الحيطة، وإلى التضامن فيما بينهم لتبادل المعلومات بشأن أي تحركات مريبة. ويوصي المرصد بتشكيل شبكات دعم محلية بين النشطاء في بلدان المهجر، بحيث يكونون على اتصال دائم ويمكنهم التحرك جماعيًا في حال تعرض أحدهم لأي خطر أو مضايقة. إضافة إلى ذلك، سيعمل المرصد على التنسيق مع نظيراته في دول عربية وأجنبية تواجه الظاهرة نفسها، لتبادل الخبرات ووضع آليات إنذار مبكر متى ما لوحظ تصاعد في نشاط أجهزة القمع العابرة للحدود التابعة لأي نظام. وفي هذا الصدد، سيكون التركيز منصبًا على رصد أي استراتيجية ممنهجة قد يتبناها النظام التونسي الحالي لاستهداف معارضيه بالخارج، وتعميمها على المستوى الدولي فور توفّر الأدلة، بهدف وضع حد لها قبل أن تتفاقم.

خلاصة واستنتاجات:

إن حادثة الاعتداء على إلياس الشواشي في فرنسا، وما تبعها من مؤشرات حول امتداد التضييق السياسي التونسي إلى الخارج، تمثل جرس إنذار خطير. فهي توضح أن الخطاب التحريضي والقمع الداخلي في تونس بدأ يتجاوز الحدود، بما يذكّر بأساليب أنظمة دكتاتورية إقليمية لم تتوانَ عن ملاحقة معارضيها أينما ذهبوا.  إن مرصد الحرية لتونس إذ يدين بشدة هذا الاعتداء وكل أشكال ترهيب النشطاء والمعارضين، فإنه يدعو السلطات التونسية إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية في احترام حقوق الإنسان ووقف التحريض ضد المخالفين في الرأي. كما يطالب المرصدُ الدولَ التي تستضيف معارضين من تونس أو غيرها أن تتحلى باليقظة والصرامة حيال أي محاولات انتهاك تقع على أراضيها، وأن تبعث برسالة واضحة مفادها أن يد القمع لن تطال الآمنين في المهجر.

وفي النهاية، تؤكد هذه التطورات الحاجة الملحّة إلى تكاتف المجتمع الحقوقي الدولي لوقف موجة القمع العابر للحدود. فاستهداف أصحاب الرأي بسبب مواقفهم السياسية – سواء جرى ذلك في وطنهم أو على أرض المنفى – هو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان الكونية لا يجوز السكوت عنه. وسيواصل مرصد الحرية لتونس عمله في توثيق هذه الانتهاكات ورفع الصوت عاليًا دفاعًا عن حق التونسيين وكل الشعوب في حرية التعبير والأمان الشخصي دون خوف من بطش أو انتقام، أينما كانوا حول العالم.

المصادر والهوامش:

  • فيديو وتصريحات إلياس الشواشي حول الاعتداء (29 جوان 2025) ultratunisia.ultrasawt.comultratunisia.ultrasawt.com
  • بيان حزب التيار الديمقراطي حول الحادثة وتحميله السلطة مسؤولية التحريضultratunisia.ultrasawt.comultratunisia.ultrasawt.com.
  • تدوينة المحامية دليلة مصدّق بخصوص الاعتداء وتأكيدها وجود تخطيط مسبق (جوان 2025)ultratunisia.ultrasawt.com.
  • محاولة اعتداء مماثلة على الناشطة شيماء عيسى في تونس (جوان 2025)ultratunisia.ultrasawt.com.
  • سجل انتهاكات نظام بن علي ضد معارضيه (مثال: محاولة اغتيال الصحفي رياض بن فضل عام 2000)refworld.org.
  • تفاصيل محاولة اختطاف المدون الجزائري أمير DZ في فرنسا وتدخل السلطات الفرنسية (2024)apnews.comapnews.com.
  • توثيق تهديدات النظام المصري ضد معارضيه في الخارج وأساليب القمع العابرة للحدود (تصريح وزيرة الهجرة 2019، وقضايا تجسس واعتقالات)arabcenterdc.orgarabcenterdc.orgarabcenterdc.orgarabcenterdc.org.
  • جريمة اغتيال جمال خاشقجي واستخدام السعودية للتجسس ضد المعارضينarabcenterdc.orgarabcenterdc.org.
  • دعوات منظمات حقوقية لوقف الملاحقات ضد المعارضين المنفيين وضمان حمايتهمomct.org.

مقدمة: السياق السياسي والعام

شهدت تونس تحوّلًا سياسيًا جذريًا بعد إعلان الرئيس قيس سعيّد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021. فقد قام سعيّد بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة وتولّي السلطات التنفيذية والتشريعية، مما أثار مخاوف بشأن تركيز جميع الصلاحيات بيده وتقويض المكتسبات الديمقراطية. في ظل هذا الوضع السياسي الجديد، تصاعدت حملات قمع استهدفت المعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين، وأصبحت مناخًا عامًا يتسم بالتضييق على المجتمع المدني والحقوق والحريات. هذه الأجواء مهدت الطريق أمام استهداف فئة جديدة من النشطاء خلال 2023 وما بعدها: نشطاء ومنظمات الدفاع عن المهاجرين واللاجئين.

بالتوازي مع ذلك، تبنّى الخطاب الرسمي نبرة عدائية وغير مسبوقة تُجاه المهاجرين القادمين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء. ففي خطاب شهير ألقاه الرئيس قيس سعيّد في فيفري/فبراير 2023 خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، تحدث عن “مؤامرة لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس” عبر موجات من المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا، ملمّحًا إلى ما يُعرف بـنظرية “الاستبدال الديمغرافي” العنصرية. ووصف سعيّد تدفق المهاجرين بأنه تهديد يجعل تونس “بلدًا أفريقيًا فقط دون انتماء عربي وإسلامي”، وأمر قوات الأمن باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفق «جحافل المهاجرين غير الشرعيين». وقد أدان الاتحاد الأفريقي هذه التصريحات واعتبرها صادمة وتنطوي على عنصرية واضحة. رغم محاولة سعيّد نفي الصبغة العنصرية عن خطابه لاحقًا، فإنه واصل الإيحاء بوجود مؤامرة خارجية تستهدف الهوية التونسية من خلال المهاجرين.

أسهم هذا الخطاب الرسمي الحاد في تأجيج المشاعر المعادية للأجانب داخل المجتمع. فخلال الأشهر اللاحقة لخطاب سعيّد، أبلغ العديد من المهاجرين والأفارقة المقيمين في تونس – بمن فيهم طلبة وعائلات ولاجئون وحتى تونسيون من أصول أفريقية – عن تعرضهم لاعتداءات لفظية وجسدية. كثيرون فقدوا مساكنهم ووظائفهم بين ليلة وضحاها تحت ضغط خطاب الكراهية. وأصبحت حملات التشويه على شبكات التواصل الاجتماعي تستهدف هذه الفئات بوصفها مصدرًا للجريمة والأمراض، كما طالت الحملة الجمعيات التونسية التي تساعدهم باتهامها بـ“تشجيع التوطين السري” أو العمالة للخارج.

على صعيد متصل، تفاقمت الانتهاكات الرسمية ضد المهاجرين واللاجئين. وثّقت منظمات حقوقية حالات عديدة قامت فيها قوات الأمن التونسية بمداهمة أماكن سكن المهاجرين واعتقال المئات منهم تعسفيًا. كما سُجّل قيام السلطات بترحيل جماعي لمهاجرين غير نظاميين عبر دفعهم قسرًا إلى الحدود الصحراوية مع ليبيا أو الجزائر وتركهم في ظروف خطرة دون ماء أو غذاء. في جويلية /يوليو 2023، مثلًا، وبعد أحداث عنف بين سكان محليين ومهاجرين في مدينة صفاقس، قامت السلطات بترحيل مئات المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى مناطق نائية عند الحدود الليبية. وقد أعلن الهلال الأحمر الليبي في حينها إنقاذ عشرات الأشخاص تُركوا في الصحراء التونسية، في حين وردت تقارير عن وفاة عدد من المهاجرين عطشًا أثناء محاولتهم النجاة من تلك المنطقة الملتهبة. هذه الممارسات وصفتها المنظمات الدولية بأنها ترتقي إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية، واعتبرتها دليلًا إضافيًا على أن تونس لم تعد مكانًا آمنًا لطالبي اللجوء والمهاجرين.

ورغم هذا الواقع المتأزم، سعى الاتحاد الأوروبي وشريكه الأساسي إيطاليا إلى عقد اتفاقيات مع السلطات التونسية لكبح الهجرة عبر البحر المتوسط. فقد تمّ توقيع مذكرة تفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي في جويلية/يوليو 2023 بحضور الرئيس سعيّد ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين. وُعدت تونس في إطار هذه الصفقة بحزمة مساعدات مالية كبيرة (تصل إلى نحو مليار يورو) لدعم اقتصادها المتعثر ومراقبة حدودها. عُرفت هذه المبادرة إعلاميًا باسم “خطة ماتّي” نسبةً إلى نهج إيطاليا الجديد في التعاون مع دول شمال أفريقيا. وقد اعتبرتها السلطات التونسية انتصارًا دبلوماسيًا وأكدت التزامها بالتعاون في منع الإبحار غير النظامي من سواحلها. بالمقابل، انتقدت منظمات حقوقية هذه الاتفاقية بشدة، معتبرةً أنها تركز على البعد الأمني للهجرة وتغضّ الطرف عن الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المهاجرون في تونس. ولاحظ مراقبون تناقضًا واضحًا: فمن جهة تفاخر الخطاب الرسمي في المحافل الدولية بالتعاون مع المجتمع المدني في رعاية المهاجرين، ومن جهة أخرى كانت السلطات تشيطن نفس المنظمات المحلية وتتهمها زورًا بتلفيق معلومات عن أوضاع المهاجرين لتشويه صورة تونس.

استغلّت السلطة هذا الخطاب التخويفي لـتأليب الرأي العام ضد الفئات المهاجرة وضد الجمعيات التونسية والدولية التي تقدم لهم العون. ففي كلمته خلال الإعلان عن مذكرة التفاهم مع الأوروبيين، هاجم الرئيس سعيّد صراحةً المنظمات الإنسانية واتهمها بنشر “معطيات كاذبة” حول معاملة تونس للمهاجرين بدلًا من تركيز جهودها على التصدي لشبكات الإتجار بالبشر. كما دأبت صفحات إعلامية قريبة من السلطة على وصم الناشطين في ملف الهجرة بأنهم عملاء يتلقون تمويلات خارجية لخدمة “أجندات مشبوهة”. هذا التصوير ساهم في خلق مناخ عام يقبل أو يغض النظر عن قمع النشطاء، بحجة حماية السيادة الوطنية أو الأمن القومي. وبذلك، أصبح العمل في مجال دعم المهاجرين واللاجئين في تونس محفوفًا بالمخاطر في ظل اتهامات التخوين والشيطنة.

ظاهرة الهجرة وتحول تونس إلى "بلد احتجاز"

لفهم السياق الكامل، من الضروري التطرق بإيجاز إلى ظاهرة الهجرة في المنطقة ودور تونس المتغير فيها. تُعتبر تونس تقليديًا بلد عبور للمهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء أو من مناطق الأزمات كسوريا والسودان، والذين يهدف معظمهم إلى الوصول لأوروبا عبر البحر. تعود أسباب مغادرة هؤلاء لأوطانهم إلى عوامل متعددة تشمل النزاعات المسلحة (مثل الحرب الأهلية في السودان)، أو الاضطهاد وانتهاك الحقوق، أو انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دولهم. يجد هؤلاء الأفراد في تونس محطة مؤقتة للبحث عن عمل وتأمين تكاليف رحلة العبور الخطرة بالبحر إلى السواحل الأوروبية، وخاصة نحو إيطاليا التي تبعد أقل من 150 كم عن السواحل التونسية عند أقرب نقطة.

خلال السنوات الأخيرة، وخصوصًا منذ تصاعد الاضطرابات في ليبيا المجاورة، تزايد عدد المهاجرين واللاجئين الوافدين إلى تونس. وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، يوجد في تونس حاليًا ما يزيد عن 10 آلاف شخص بين لاجئ وطالب لجوء مسجّلين رسميًا (حتى نهاية مارس 2025)، معظمهم ينحدرون من دول تشهد نزاعات كسوريا والسودان والصومال وغيرها. هذا الرقم لا يشمل بالطبع جميع المهاجرين غير النظاميين الذين قد لا يسعون لتقديم طلب لجوء أو غير مسجّلين لدى الجهات الأممية. وقد قدّرت منظمات محلية أن إجمالي المهاجرين من جنسيات أفريقية في تونس – سواء كانوا في وضعية نظامية أو غير نظامية – بلغ عشرات الآلاف في السنوات الأخيرة. هؤلاء ينتشرون خصوصًا في المدن الكبرى مثل تونس العاصمة وصفاقس، وبعضهم انخرط في سوق العمل غير الرسمي أو الأعمال الموسمية.

لكن الصورة تغيّرت بشكل دراماتيكي منذ بداية 2023. فمع حملة الخطاب العنصري والتحريض الرسمي ضد مهاجري جنوب الصحراء، تحولت تونس من بلد عبور إلى مكان احتجاز وطرد بالنسبة للكثير منهم. لم يعد المهاجرون يشعرون بالأمان حتى للإقامة المؤقتة؛ إذ باتوا عرضة للملاحقة الأمنية والاعتقالات التعسفية من جهة، وللاعتداءات العنصرية من بعض الأفراد من جهة أخرى. نتيجة لذلك، اضطر عدد كبير منهم لمغادرة تونس بشكل عاجل خوفًا على سلامتهم. وتذكر المنظمة الدولية للهجرة (IOM) أن تونس شهدت موجة من برامج “العودة الطوعية” للمهاجرين خلال عامي 2023 و2024، حيث تم تسجيل آلاف طلبات العودة إلى البلدان الأصلية بترتيب ودعم من المنظمة. وقد أعلنت السلطات التونسية نفسها أن حوالي 7250 مهاجرًا من جنسيات أفريقية عادوا طوعًا إلى بلدانهم خلال سنة 2024 وحدها، في مؤشر واضح على نزوح جماعي تحت ضغط الظروف القاسية.

أما المهاجرون واللاجئون الذين بقوا في تونس، فقد باتوا يواجهون وضعًا إنسانيًا صعبًا. فبعد حملة الاعتقالات ضد كوادر الجمعيات المعنية بالهجرة (التي سنفصلها في القسم اللاحق)، تعطلت إلى حد كبير شبكات الدعم والرعاية التي كانت توفرها هذه المنظمات لهؤلاء المهاجرين. على سبيل المثال، كان المجلس التونسي للاجئين الجهة المحلية الشريكة للمفوضية الأممية في تسجيل طالبي اللجوء وإصدار بطاقات قانونية مؤقتة لهم. لكن إيقاف مسؤولي المجلس وإغلاق مقره أدى إلى تعطيل عملية التسجيل وتجديد البطاقات. وبحسب تقارير ميدانية، أصبح كثير من اللاجئين عالقين في وضعية غير قانونية قسرًا لانتهاء صلاحية أوراقهم وعدم تمكنهم من تجديدها. هذا الوضع جعلهم في مرمى الاعتقال أو الترحيل، وحرمهم في الوقت نفسه من الخدمات الأساسية. وينسحب الأمر نفسه على الخدمات الاجتماعية والإغاثية (كالإيواء والطعام والرعاية الطبية) التي تقلّصت بشكل حاد مع شلل الجمعيات المدنية، مما فاقم الهشاشة التي يعانيها المهاجرون واللاجئون في تونس.

باختصار، تحوّلت تونس خلال فترة وجيزة من بلد يُعبره المهاجرون بحثًا عن الأمان إلى فخ ومأزق إنساني لكثير منهم. هذا التحول جاء نتيجة تضافر الخطاب الرسمي العدائي مع الإجراءات القمعية على الأرض. وفي ظل إصرار السلطات على تبني المقاربة الأمنية البحتة إرضاءً لضغوط الشركاء الأوروبيين، يُخشى أن يستمر تدهور أوضاع هذه الفئة المهمشة التي وجدت نفسها ضحّية التجاذبات السياسية بين تونس وأوروبا.

توثيق الانتهاكات بحق الجمعيات والنشطاء (2023 – 2025)

في خضم هذا المناخ المشحون، شنت السلطات التونسية منذ مطلع 2023 حملة منظمة لاستهداف الجمعيات والمنظمات والأفراد الذين يعملون في دعم المهاجرين واللاجئين أو الدفاع عن حقوقهم. وتركزت هذه الحملة خصوصًا خلال الفترة بين ماي/أيار وديسمبر 2024، حيث تم إيقاف عدد كبير من الناشطين واقتيادهم إلى السجون بتهم جنائية خطيرة مثل تبييض الأموال والتآمر، وغيرها من التهم الملفّقة التي تهدف إلى تجريم عملهم الإنساني. فيما يلي أبرز المنظمات المدنية والشخصيات التي تعرضت للملاحقة أو المضايقات، مع توضيح طبيعة عملها والتهم الموجهة إليها:

  • جمعية منامتي (Mnemty): هي جمعية تونسية بارزة أسستها الناشطة سعدية مصباح منذ 2013، وكرست نشاطها لمناهضة العنصرية وتعزيز التعايش وحقوق الأقليات في تونس. لعبت سعدية مصباح دورًا محوريًا في التحسيس بمخاطر التمييز العنصري، وساهمت في سنّ القانون التونسي لمكافحة العنصرية عام 2018. مع تصاعد خطاب الكراهية ضد الأفارقة في 2023، برز صوت سعدية مصباح في انتقاد تلك الموجة والتحذير من تداعياتها. ولكن بدلاً من الاستماع إلى تحذيراتها، أصبحت هي نفسها هدفًا للسلطات. ففي 6 ماي 2024 داهمت قوات الأمن منزل سعدية ومقر جمعية منامتي، وصادرت الحواسيب والملفات، ثم أوقفت سعدية مصباح ومدير المشاريع بالجمعية. وُجّهت إليها تهم جنائية بالفساد المالي وتبييض الأموال بدعوى وجود تجاوزات في تمويل الجمعية، وتم إيداعها السجن الإحتياطي منذ ذلك التاريخ. تزامن ذلك مع حملة تشهير واسعة ضدها على شبكات التواصل، حيث تلقت تهديدات ورسائل كراهية بسبب مزاعم أن جمعيتها “تدعم المهاجرين غير الشرعيين”. ورغم عدم ثبوت أي اختلاس أو تجاوز مالي (وأحالت الجهات القضائية ملفها من القطب المالي إلى المحكمة العادية لعدم الاختصاص)، لا تزال سعدية مصباح رهن الحبس الاحتياطي. وقد مُدد توقيفها عدة مرات (آخرها في مارس 2025 لمدة أربعة أشهر إضافية)، مما يعني أنها أمضت ما يزيد عن السنة خلف القضبان دون محاكمة. وتواجه سعدية نظريًا عقوبات بالسجن لسنوات طويلة وغرامات باهظة إذا ما أدينت بتهمة تبييض الأموال، رغم تأكيد كل من يعرفها أن نشاطها كان دومًا في إطار القانون والشفافية.
  • جمعية تونس أرض اللجوء (Tunisie Terre d’Asile ): هي منظمة غير حكومية تأسست عام 2012 بدعم من منظمة فرنسا أرض اللجوء، وتهدف إلى الدفاع عن حقوق اللاجئين والمهاجرين في تونس وتوفير المساعدة القانونية والإنسانية لهم. لعبت الجمعية أيضًا دورًا في التبليغ عن حالات الاتجار بالبشر والتنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار لحماية الضحايا. تعرضت هذه الجمعية لضربة قاصمة في ماي 2024، إذ تم اعتقال كامل فريق إدارتها تقريبًا على خلفية قضية واحدة. فقد أوقفت السلطات في 7 و8 ماي 2024 كلًا من شريفة الرياحي (المديرة التنفيذية السابقة للجمعية)، وعياض بوسالمي -المدير التنفيذي الحالي آنذاك- ومحمد جوعو المسؤول المالي للجمعية). جاءت حملة الإيقافات بعد أن أعلنت الجمعية عن مشروع إنساني لإيواء المهاجرين واللاجئين الأكثر هشاشة بالتعاون مع السلطات المحلية، في استجابة لموجة العنف ضد مهاجري جنوب الصحراء. إلا أن هذه المبادرة قُوبلت باتهامات رسمية للجمعية بـ“تكوين وفاق بقصد تبييض الأموال” و”توطين أشخاص أجانب بصفة غير قانونية”. وجرى التحقيق مع أعضائها بتهم تشمل تلقي تمويلات أجنبية مشبوهة والتدليس (التزوير). ورغم أن شريفة الرياحي كانت في فترة إجازة أمومة وترعى طفلين رضيعين، تم سجنها احتياطيًا منذ 7 ماي 2024. ولم تتمكن طوال فترة توقيفها من إرضاع ابنتها حديثة الولادة، مما أثار تعاطفًا وغضبًا كبيرين في الأوساط الحقوقية. وخلال الأشهر التالية، لم يُقدَّم أي دليل ملموس على تهم غسل الأموال الموجهة لشريفة وزملائها، واضطرت السلطات للإعلان عن سقوط تهمة تبييض الأموال عنها لعدم ثبوتها. لكن بدل الإفراج عنها، فُوجئت الرياحي باتهام جديد هو “إيواء مهاجر غير شرعي”، وهي جنحة بسيطة تتعلق باستضافتها شخصًا أجنبيا دون أوراق في مركز إيواء مؤقت. وبرغم أن هذه التهمة في حال ثبوتها لا تستوجب عادةً التوقيف المطوّل، أبقت السلطات شريفة في السجن لأشهر طويلة. وبحلول مارس 2025، كانت قد قضت ما يزيد عن 300 يوم في الحبس الاحتياطي دون محاكمة نهائية، مما دفع عائلتها إلى المطالبة دوليًا بإطلاق سراحها. الوضع نفسه ينطبق على زميليها عياض بوسالمي ومحمد جوعو، إذ لا يزالان موقوفَين لنفس القضية وبنفس التهم. وتجدر الإشارة أن بوسالمي هو دبلوماسي تونسي سابق وخبير أممي في قضايا اللجوء، وأن شريفة الرياحي معروفة بنشاطها الاجتماعي والتطوعي قبل هذه الأحداث – ما يؤكد أن استهدافهم جاء على خلفية عملهم الإنساني المشروع وليس لأي تجاوز حقيقي.
  • المجلس التونسي للاجئين: تأسس هذا المجلس عام 2016 بمبادرة من الأستاذ مصطفى الجمالي وهو مسؤول أممي سابق (شغل منصب مدير إقليمي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين). يعمل المجلس بالشراكة مع مفوضية اللاجئين على استقبال طالبي اللجوء في تونس وتسهيل إجراءات دراستها، إضافة إلى مساعدة اللاجئين المسجلين عبر برامج الإغاثة وإيجاد الحلول الدائمة. في بداية ماي 2024، تعرض المجلس بدوره لهجمة أمنية: حيث تم إيقاف كل من رئيسه مصطفى الجمالي ومدير المشاريع بالمجلس عبد الرزاق الكريمي. حصل ذلك في 3 ماي 2024 بالنسبة للجمالي، و9ماي 2024 بالنسبة للكريمي. وتتلخص خلفية القضية في نفس الوقائع المذكورة آنفًا: مشاركة المجلس في إعلان طلب عروض بالتنسيق مع جهات رسمية لإيواء حالات من اللاجئين وطالبي اللجوء الأكثر ضعفًا. اعتبرت السلطات هذه التحركات تجاوزًا يقتضي العقاب، فوجهت لكل من الجمالي والكريمي تهمًا خطيرة من قبيل “تكوين وفاق بقصد غسل الأموال باستغلال التسهيلات التي يخوّلها النشاط الاجتماعي” والتدليس واستعمال مدلس. تم التحقيق معهما من قبل قضاة التحقيق في كل من المحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي الاقتصادي والمالي، في تواتر إجراءات يبدو أنه يهدف إلى إبقائهما قيد التوقيف أطول فترة ممكنة. بالفعل، أُغلق مقر المجلس وتوقف نشاطه بالكامل بعد سجن رئيسه ومديره، مما شلّ عملية استقبال طالبي اللجوء الجدد في تونس. وقد انعكس ذلك مباشرةً على مئات الأشخاص (نصفهم من السودانيين الهاربين من الحرب) الذين وجدوا أبواب المجلس موصدة واضطروا لانتظار المجهول دون وثائق أو دعم. إن التهم الموجهة للجمالي والكريمي – كتبييض الأموال – تصل عقوباتها إلى عشرات السنوات من السجن طبقًا للقانون التونسي لمكافحة غسل الأموال، بالإضافة إلى غرامات مالية كبيرة. ومع ذلك، لم يُعلن حتى مطلع 2025 عن أية أدلة تدينهما، وسط مطالبات حقوقية بالإفراج عنهما باعتبار أن نشاط المجلس كان قانونيًا وشفافًا بشهادة المفوضية الأممية نفسها.
  • بلدية سوسة وشراكة مشروع الهجرة: لم يقتصر استهداف النشطاء على العاملين في الجمعيات فقط، بل طال أيضًا مسؤولين محليين تجرأوا على التعاون مع المجتمع المدني لدعم المهاجرين. في هذا الإطار برزت قضية رئيس بلدية سوسة محمد إقبال خالد ونائبته إيمان الورداني. فخلال سنة 2023 عقدت بلدية سوسة (ثالث أكبر مدينة تونسية) اتفاقية شراكة مع جمعية “تونس أرض اللجوء” لافتتاح مكتب محلي يُعنى بتوجيه المهاجرين واللاجئين ومساعدتهم على الاندماج والخدمات. لكن في خضم الحملة الأمنية في مايو 2024، تم إيقاف رئيس البلدية محمد إقبال خالد ونائبته الدكتورة إيمان الورداني في 10 ماي 2024. وُجّهت لكليهما قائمة تهم مطابقة تقريبًا لتلك المنسوبة لنشطاء الجمعيات، وهي: تبييض الأموال، والتدليس (تزوير وثائق)، وتكوين وفاق (جمعية) بقصد إدخال أشخاص أجانب إلى التراب التونسي، واستغلال الوظيفة. بمعنى آخر، اعتُبر التعاون الرسمي بين البلدية وجمعية معترف بها جريمة في نظر السلطات المركزية. ومن المفارقات أن إيمان الورداني – وهي دكتورة جامعية ترأست لجنة تكافؤ الفرص في المجلس البلدي – كانت خلال جائحة كوفيد قد أشرفت على مبادرات لإغاثة الفئات الهشة في سوسة، بمن فيهم المهاجرون، ونالت عن ذلك الإشادة. ومع ذلك، وجدت نفسها متهمة أمام القضاء بتسهيل “دخول مهاجرين” لمجرّد عملها على مساعدة مقيمين موجودين فعليًا في المدينة. وما زال كل من رئيس البلدية ونائبته رهن الاحتجاز منذ منتصف 2024 دون إفراج، رغم أن أقصى ما يمكن أن تسفر عنه قضيتهم – في حال صحتها – هو مخالفات إدارية في الصلاحيات المحلية. تُظهر هذه القضية كيف بات أي مستوى من الدعم الرسمي للمهاجرين معرضًا للتجريم تحت ضغط المناخ السياسي الحالي، لدرجة شلّ العمل البلدي نفسه في ملفات إدماج الأجانب.
  • جمعية تفعيل الحق في الاختلاف: هي منظمة حقوقية تأسست في أفريل 2011 وتعنى بالدفاع عن التنوع وحقوق الإنسان ومناهضة جميع أشكال التمييز. ركزت في جزء من أنشطتها على تعزيز ثقافة المواطنة المتساوية بغض النظر عن اللون أو الدين أو غيره، مما جعلها صوتًا في مواجهة العنصرية أيضًا. بتاريخ 10 ديسمبر 2024 (تزامنًا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، اعتُقلت سلوى غريسة المديرة التنفيذية للجمعية، عقب حملة تحريض استهدفت منظمتها على الإنترنت. وُجهت إلى سلوى تهمة تبييض الأموال أيضًا، رغم استغراب كثيرين من كيفية تطبيقها على جمعية حقوقية صغيرة تعتمد في تمويلها على تبرعات مشروعة ومعلنة. أكدت شقيقة سلوى في تصريح صحفي أن لا وجود لأي إثبات مادي على هذه التهمة رغم كل عمليات التدقيق التي أجرتها السلطات، وأن سجن أختها هو ظلم بحت عقابًا لها على نشاطها الحقوقي. لا تزال سلوى غريسة موقوفة منذ ذلك الحين على ذمة التحقيق، وبذلك انضمت إلى قائمة النساء الناشطات القابعات وراء القضبان في تونس الحديثة بسبب عملهن الإنساني (إلى جانب سعدية مصباح وشريفة الرياحي وإيمان الورداني). ويُذكر أن منظمة تفعيل الحق في الاختلاف اضطرت لوقف معظم أنشطتها إثر ذلك، في انتظار ما ستسفر عنه القضية.
  • جمعية أطفال القمر – مدنين: آخر القضايا التي برزت نهاية 2024 كانت إيقاف عبد الله السعيد رئيس جمعية “أطفال القمر” بمحافظة مدنين (وهي جمعية تهتم أساسًا برعاية الأطفال المصابين بمرض جلدي نادر). ما صلة هذه الجمعية بملف الهجرة؟ يبدو أن السلطات ارتابت في نشاط فرعي كانت الجمعية تقوم به وهو تقديم دورات تدريب مهنية في الخياطة وصنع الحلويات للنساء المهاجرات الأفريقيات في الجنوب التونسي، لمساعدتهن على اكتساب مهارات تدرّ دخلاً. في أواخر نوفمبر 2024، تم توقيف عبد الله السعيد واثنين من زملائه بالجمعية، واستلمت فرقة مكافحة الإرهاب ملف القضية في البداية. ورغم غرابة إقحام مكافحة الإرهاب هنا، فقد أشارت التحريات الأولية إلى عدم اختصاص تلك الفرقة، مما أدى إلى إسقاط شبهة تبييض الأموال عنهم وإحالة الملف إلى القضاء العادي. ولم تستطع السلطات إيجاد أي دليل على جرائم مالية أو أمنية، لكن مجرد مساعدة مهاجرات غير نظاميات على الاندماج اقتصاديا اعتُبرت ذنبًا كافيًا لتوقيف نشطاء جمعية أطفال القمر لبعض الوقت. وتعكس قضيته مدى توسّع دائرة الاستهداف لتشمل أي جهة تمت لملف المهاجرين بصلة، حتى لو كان نشاطها الاجتماعي عرضيًا في هذا المجال. وقد خلق ذلك جوًا من الخوف لدى جمعيات أخرى: فكثير من المنظمات الخيرية والتنموية باتت تحجم عن إشراك المهاجرين أو اللاجئين في برامجها، خشية التعرض للتخوين أو الملاحقة.

1. عياض بوسالمي
أكاديمي ودبلوماسي سابق قضى 20 عامًا في السلك الدبلوماسي التونسي، وله تجربة في هياكل الأمم المتحدة. تولى إدارة جمعية “تونس أرض اللجوء” منذ أفريل 2023. يتمتع بخبرة واسعة في قضايا الهجرة واللجوء، وساهم في الدفاع عن حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.

2. سعدية مصباح
ناشطة حقوقية بارزة كرّست مسيرتها لمناهضة العنصرية والدفاع عن حقوق التونسيين السود. أسّست جمعية “منامتي” للتوعية بمخاطر التمييز العنصري وخطاب الكراهية. سعت إلى كسر الصور النمطية وتحقيق المساواة بين مكونات المجتمع التونسي.

3. عبد الله السعيد
ناشط مدني تونسي من أصول تشادية حصل على الجنسية التونسية سنة 2012. أسّس ورأس جمعية “أطفال القمر بمدنين” لدعم المهاجرين والفئات المستضعفة عبر الإحاطة الاجتماعية والطبية والتعليمية. ساهم في تنسيق جهود المجتمع المدني في جهة مدنين وشراكات مع الدولة والمنظمات الدولية.

4. إيمان الورداني
حاصلة على دكتوراه في البيولوجيا وتشغل منصب نائبة رئيس بلدية سوسة. ترأست لجنة تكافؤ الفرص وساهمت خلال أزمة كوفيد في دعم الفئات الهشة، خاصة المهاجرين. دعمت العمل المدني وساهمت في تعزيز التضامن الاجتماعي بالمدينة.

5. شريفة الرياحي
مهندسة وناشطة حقوقية شاركت في العمل المدني منذ الثورة وساهمت في الدفاع عن السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية. تولّت إدارة جمعية “أرض اللجوء – تونس” من 2019 إلى أفريل 2023، وساهمت في مشاريع تتعلق بالهجرة بالتعاون مع الدولة والمنظمات الدولية. تواصل عملها في مجال الهجرة والتكوين في القانون الإنساني الدولي. شغلت مؤخرا خطة منسقة برنامج “آفاق” لدعم تشغيل الشباب والمبادرات التونسية في الخارج.

6. سلوى غريسة
جامعية وناشطة حقوقية، تشغل منصب المديرة التنفيذية لجمعية “تفعيل الحق في الاختلاف” منذ تأسيسها سنة 2011. تعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان والتنوع والمواطنة الفعالة في تونس.

7. عبد الرزاق الكريمي
أستاذ وناشط مدني يشغل منصب مدير المشاريع بالمجلس التونسي للاجئين. يساهم في دعم السلطات التونسية لمعالجة تحديات اللجوء وتقديم المساعدة الإنسانية للاجئين في تونس.

8. مصطفى الجمالي
موظف أممي سابق ومدير إقليمي سابق في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (يحمل الجنسية التونسية والسويسرية). كان يشغل منصب المستشار الخاص للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومدير مكتب آسيا الوسطى وجنوب غرب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقد أمضى كامل حياته المهنية في المفوضية منذ العام 1980 ولغاية العام 2004 في تقديم يد العون الى اللاجئين. أسس المجلس التونسي للاجئين سنة 2016 ويترأسه، وهو إطار غير حكومي لمساعدة اللاجئين ودعم مؤسسات الدولة في هذا المجال.

9. محمد إقبال خالد
انتُخب رئيسًا لبلدية سوسة سنة 2019 ضمن قائمة مستقلة. برز خلال أزمة كوفيد بمبادراته لدعم الفئات الهشة، ومن ضمنهم المهاجرون، وشجع على تنمية العمل المدني بالمدينة.

10. محمد جوعو
ناشط مدني ومسؤول مالي في جمعية “تونس أرض اللجوء” منذ أكتوبر 2020. شارك في العديد من الأنشطة التطوعية ويُعرف بدوره في الإدارة المالية للجمعية.

ملخص الانتهاكات وأساليب التضييق

يمكن تلخيص المشهد العام للمضايقات التي طالت نشطاء وجمعيات الهجرة واللجوء في تونس منذ 2023 كما يلي:

  • الإيقافات التعسفية والاحتجاز المطوّل: أوقِف ما لا يقل عن عشرة نشطاء وناشطات في هذا المجال خلال الفترة بين ماي 2024 وبداية 2025، بينهم رؤساء خمس منظمات على الأقل. وتمت إحالتهم جميعًا على الحبس الاحتياطي لفترات طويلة تجاوزت في بعض الحالات 10 أشهر دون أحكام. هذا الاستخدام المفرط للإيقاف التحفظي مثّل عقوبة في حد ذاته ووسيلة لإسكات الأصوات وتجميد أنشطة الجمعيات.
  • توجيه تهم جنائية خطيرة وغير متناسبة: ركّزت السلطات على تهمة “تبييض الأموال” بصورة شبه موحّدة ضد مختلف النشطاء، مع إضافات مثل التآمر وتزوير الوثائق وتلقّي تمويلات أجنبية غير مشروعة، وأحيانًا تهمة “تسهيل دخول وإقامة أجانب بصفة غير قانونية”. هذه التهم، رغم فداحتها، لم تدعمها أدلة ملموسة وفق ما ظهر خلال مجريات التحقيق. لكن خطورتها القانونية سمحت باحتجاز المتهمين وتهديدهم بعقوبات سجن قد تصل إلى عشر سنوات أو أكثر، مما خلق ضغطًا نفسيًا كبيرًا عليهم وعلى عائلاتهم.
  • إغلاق مقار الجمعيات وتجميد أنشطتها: بعد اعتقال مسؤولي الجمعيات المستهدفة، قامت السلطات فعليًا بشلّ تلك المنظمات. أُغلقت مكاتب المجلس التونسي للاجئين وجمعية أرض اللجوء وجمعية منامتي وغيرها، إما رسميًا أو بحكم الأمر الواقع. صادر الأمن المعدات والملفات الإدارية والمالية خلال المداهمات، واستدعى موظفين آخرين للتحقيق مما بثّ الذعر في صفوف بقية الناشطين. ونتيجة لذلك، تراجع عدد الجمعيات النشيطة في دعم المهاجرين بشكل ملحوظ بحلول 2025، حيث باتت معظمها إمّا مجمدة أو تعمل بحذر شديد وتحت الرقابة اللصيقة. حتى أن بعض المنظمات الدولية أو الإقليمية التي كانت تتخذ تونس مقرًا لها لنشاط الهجرة (بعد انتقالها سابقًا من ليبيا) اضطرت إلى مغادرة تونس هي الأخرى خوفًا على كوادرها.
    التشهير والترهيب الإعلامي: صاحبت الإجراءات الأمنية حملة إعلامية ممنهجة لتشويه سمعة هؤلاء النشطاء والجمعيات. فقد ظهرت تدوينات ومنشورات على فيسبوك ووسائل إعلامية مقربة من السلطة تتهمهم بـ“بيع الوطن” و“تلقي أموال من جهات أجنبية لزرع الفوضى”، إلى جانب استخدام عبارات عنصرية ضد الناشطات (مثال: التخوين بسبب التضامن مع المهاجرين السود). كما استُخدمت تصريحات رسمية لدعم هذا التوجه، مثل اتهام الرئيس سعيّد العلني للجمعيات بأنها “امتداد لقوى أجنبية تضخ أموالاً لخدمة مصالح مشبوهة” (تصريح في فبراير 2023). هذه الحملة الترهيبية لم تكتفِ بتشويه المعتقلين، بل هدفت أيضًا إلى ردع الآخرين عن أي محاولة للدفاع عنهم أو مواصلة عملهم. وقد أكدت شخصيات حقوقية بارزة أن ما يحدث هو قرار سياسي لقمع المجتمع المدني تحت غطاء قانوني.
    الإجراءات القانونية التعسفية: رصد محامو الدفاع عدة تجاوزات في التعامل القانوني مع هذه القضايا، من ذلك: مداهمات بدون أذون قضائية واضحة، التحقيق لساعات متأخرة مع الموقوفين (كما حصل مع شريفة الرياحي التي تم استجوابها قرابة منتصف الليل وهي منهكة)، إضافة إلى تجاهل ضمانات المحاكمة العادلة عبر تمديد الإيقاف التحفظي بشكل روتيني ومنع الإفراج المؤقت رغم انتفاء مبرراته. يُذكر أيضًا استخدام المرسوم 54 لسنة 2022 المتعلق بجرائم المعلومات ضد بعض الأصوات التي دافعت عن المهاجرين. فالإعلامية سنية الدهماني مثلًا اعتُقلت وحوكمت بموجب هذا المرسوم بعد أن انتقدت عبر التلفزيون مزاعم “توطين المهاجرين” ووصفت الوضع المتردي بعبارة ساخرة، فاعتُبرت تلك “أخبارًا كاذبة” عوقبت عليها بالسجن ثمانية أشهر. يُبرز ذلك أن الترسانة القانونية ذاتها (مرسوم 54، تهم الإرهاب…) استُخدمت كسيف مُسلّط لإخماد أي معارضة للسردية الرسمية حول ملف الهجرة.

في المحصلة، أوجدت هذه الانتهاكات حالة من الشلل في المجتمع المدني التونسي فيما يخص الدفاع عن المهاجرين واللاجئين. فبينما تُفاخر السلطات خارجيًا بتعاونها مع منظمات غير حكومية في التكفل بالمهاجرين، تقوم داخليًا بقمع تلك المنظمات وتجريمها. وقد دفع هذا التناقض الصارخ منظمات حقوق الإنسان إلى دق ناقوس الخطر، محذرةً من أن تونس تشهد انتكاسة غير مسبوقة في مجال حرية تكوين الجمعيات وعملها منذ الثورة. كما شددت على أن الحملات ضد نشطاء الهجرة ليست منعزلة، بل تأتي في سياق قمع أشمل يطول القضاة المستقلين والصحافة والمعارضة، مما يقوّض دولة القانون ويشكل خرقًا لالتزامات تونس الدولية في مجال حقوق الإنسان.

التوثيق الحقوقي والإحصائي للوضع الراهن

تعكس الحالات المذكورة صورة قاتمة لوضع حقوق الإنسان في تونس حاليًا، وقد وثّقت المنظمات الدولية هذه التطورات بانتباه. ففي تقرير مشترك صدر في مايو 2024 عن عدد من الهيئات الحقوقية الدولية، جرى التنبيه إلى تصاعد حملة قمع المجتمع المدني في تونس بالتزامن مع تصاعد العنف ضد المهاجرين. وأشارت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في بيانات متزامنة إلى أن السلطات التونسية اعتقلت ما لا يقل عن 9 أشخاص في أسبوع واحد من شهر ماي 2024 منهم محامون وصحفيون وناشطون في قضايا الهجرة والعنصرية، معتبرةً ذلك جزءًا من نمط لقمع أي صوت مستقل. كما أكدت هيومن رايتس ووتش أن 8 منظمات غير حكومية على الأقل طالتها التحقيقات أو الملاحقات خلال تلك الفترة، وهو رقم غير مسبوق منذ عقد.

على صعيد آخر، تُبرز الإحصائيات الإنسانية حجم الأزمة: فقد سجّلت المنظمة الدولية للهجرة ارتفاعًا كبيرًا في أعداد المهاجرين الذين خاطروا بركوب البحر من السواحل التونسية باتجاه أوروبا عام 2023 مقارنة بالسنوات السابقة، رغم (أو بسبب) سياسة التشديد الأمني. وتقدّر السلطات الإيطالية أن عشرات الآلاف وصلوا إلى شواطئها انطلاقًا من تونس في ذلك العام، مما وضع تونس في مرتبة متقدمة كمصدر لحركة الهجرة غير النظامية. وفي المقابل، ازداد أيضًا عدد المفقودين والغرقى في عرض البحر نتيجة تكدّس القوارب المتهالكة بالمهاجرين اليائسين؛ حيث أعلنت منظمات إنسانية غرق ما يزيد عن 1400 مهاجر في المتوسط الأوسط خلال 2022 و2023 – كثير منهم انطلقوا من ليبيا وتونس. هذه الأرقام المأساوية تكذب الادعاء بأن تشديد الخناق داخليًا سيمنع الهجرة، بل على العكس دفعت الكثيرين للمجازفة بحياتهم هربًا من وضع لا يُحتمل.
أما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فأعربت في تقاريرها عن قلق بالغ إزاء أوضاع طالبي اللجوء في تونس. فإلى جانب أرقامها المذكورة بشأن تعدادهم (أكثر من عشرة آلاف شخص)، نوّهت إلى أن 77% من عينة اللاجئين الذين تم استطلاعهم في تونس أواخر 2024 أفادوا بأنهم تعرضوا لشكل من أشكال الانتهاك أو المعاملة السيئة – سواء من قبل السلطات أو أفراد في المجتمع – خلال الأشهر السابقة. وهذه نسبة صادمة تدل على بيئة طاردة وخطرة للاجئين. ولمواجهة ذلك، دعت المفوضية تونس مرارًا إلى الإسراع في اعتماد قانون اللجوء الوطني وتوفير الحماية اللازمة، إلا أن هذه الدعوات لم تلق آذانًا صاغية حتى الآن.

من جهتها، شددت منظمات تونسية مستقلة (مثل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) على الحاجة إلى تضامن أفريقي ودولي للدفاع عن المهاجرين في تونس. ففي بيان مشترك مع منظمات من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، طالبت بفتح تحقيقات في مصير المئات من المهاجرين المفقودين وبالإفراج عن النشطاء المسجونين بسبب نشاطهم الإنساني. كما دعت إلى عدم رضوخ الدول الأفريقية للخطاب التونسي الرسمي الذي يصوّر المرحّلين الطوعيين وكأنهم غادروا بلا ضغوط، مؤكدةً أن العودة “الطوعية” تمت في كثير من الحالات تحت التهديد بانعدام الأمن أو الترحيل القسري.

خاتمة وتوصيات

في الختام، تكشف وقائع العامين الماضيين في تونس عن صورة قاتمة: دولة تواجه أزمتها السياسية والاقتصادية عبر تصديرها أزمة مفتعلة نحو أضعف الحلقات، أي المهاجرين، ومن يدافع عنهم. لقد أصبح مناخ الترهيب هو القاعدة لكل من يعمل في الشأن المدني والحقوقي، خاصة في ملف شديد الحساسية كاللجوء والهجرة. وإذ أعدّ “مرصد الحرية لتونس” هذا الملف فإنه يدعو السلطات التونسية إلى مراجعة هذه السياسة العدمية ووضع حدّ لتجريم التضامن الإنساني. كما يناشد القضاء التونسي الالتزام باستقلاليته وكف يد السلطة التنفيذية عن توظيفه لاستهداف الناشطين، وذلك عبر الإفراج الفوري عن الموقوفين لغياب الأدلة وتمكينهم من محاكمات عادلة إن وجدت تهم جدية. وعلى المستوى الدولي، يأمل المرصد أن تتوقف الجهات المانحة عن تلميع صورة السلطات التونسية أو عقد اتفاقيات معها تغلّب الاعتبارات الأمنية على حساب حقوق الإنسان. فتونس التي كانت يومًا ملاذًا آمنًا نسبيًا في إقليم مضطرب، لا يجب أن تصبح سجنًا أو مقبرة لمن يطلب اللجوء او العبور او الأمان. إن احترام كرامة المهاجرين واللاجئين وحماية المدافعين عنهم هو اختبار حقيقي لمدى التزام تونس بالقيم الإنسانية العالمية، وأي فشل في هذا الاختبار ستكون كلفته باهظة على سمعة البلاد ومستقبلها الديمقراطي.

مراجع

نداء إلى العمل من أجل حقوق الإنسان في تونس

عريضة الموقع: الحرية لمعتقلي الرأي والنشطاء في تونس !

‎لم تعد تونس الاستثناء العربي الوحيد الذي أشعل فتيل الثورات في العالم سنة 2011 بثورة بطولية أطاحت بحكم زين العابدين بن علي، الذي ظل مستمرا لمدة تناهز 23 سنة بعد استيلاءه على السلطة في 7 نوفمبر 1987 خلفا للحبيب بورقيبة.

في خطوة مماثلة وربما أكثر خطورة، أقدم الرئيس التونسي قيس سعيد ليلة 25 يوليو 2021 على القيام “بانقلاب دستوري” وفقا لتأويله الشخصي للفصل 80 من دستور الثورة 2014 مُعلنا اتخاذه مجموعة من الإجراءات الاستثنائية بسبب “خطر داهم” يهدد البلاد التونسية دون تقديم أي تفاصيل وأسباب الى حدّ كتابة هذه الأسطر.

وبموجب تلك الإجراءات قرر سعيّد عزل الحكومة ورئيسها “هشام المشيشي” الذي كان حاضرا في اجتماع مجلس الأمن القومي تلك الليلة بقصر قرطاج، وزعم أنه اتصل برئيس البرلمان راشد الغنوشي (زعيم حزب حركة النهضة) للتشاور معه وفق ما يمليه الدستور، الأمر الذي نفاه الغنوشي مؤكدا انه اتصال عادي لم يتضمن أي مشاورات أو حديث حول فحوى الإجراءات الاستثنائية، وقام الرئيس بتجميد أعمال البرلمان ثم حله في مارس/ آذار 2022.

ولم يكتف الرئيس سعيّد بتجاوز صلاحياته وفصول الدستور التي أقسم على الحفاظ عليه أمام مجلس نواب الشعب بل وقام بتغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء واعتبره “وظيفة” وليس سلطة مستقلة بذاتها وقام أيضا بتغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تحضيرا لمراحل انتخابية عقدها لفائدة تغيير دستور كتبه بنفسه وألغى آراء اللجان الاستشارية التي عينها بنفسه أيضا. ثم نظم انتخابات تشريعية على دورتين لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 8% من مجموع الناخيبن وتداركت هيئة الانتخابات الاحصائيات فيما بعد لتعلن أنها وصلت لـ11 %وهو الرقم الأدنى عالميا ومحليا.

بتاريخ 11 فبراير/شباط شن نظام الرئيس سعيد حملة اعتقالات لم تتوقف، شملت نشطاء سياسيين ورجال أعمال واعلاميين وصحفيين وقضاة وموظفين سامين في الدولة تحت عنوان “التآمر على أمن الدولة وارتكاب فعل موحش ضد رئيس الجمهورية” إضافة لتهم أخرى تم إحالتها على النيابة العسكرية ما يطرح أسئلة حول مدى تدخل الجيش التونسي في الإجراءات التي قام بها الرئيس سعيد.

وقد شابت عمليات الاعتقال التعسفي عدة خروقات وإخلالات إجرائية وسط تحذيرات من المنظمات والمراصد الدولية الناشطة بمجال حقوق الانسان ولم يتم احترام معايير التقاضي والإقامة السجنية وطالت الملاحقات في بعض الأحيان عائلات الضحايا وأسرهم ووظائفهم ولم يتم إثبات أي تهم أو وقائع منسوبة للمتهمين.

كما تتعرض النقابات والأحزاب السياسية لمضايقات مستمرة ولم يتوقف الرئيس سعيد عن اتهام كافة الأجسام الوسيطة بمختلف أنواعها “بالعمالة” أو “الخيانة” ولم تسلم المنظمات والجمعيات من الملاحقات والاعتقالات التعسفية والحرمان من التمثيل القانوني وسط ارتفاع وتيرة العنف في المجتمع بسبب تبني السلطات خطابات وشعارات عنصرية وتمييزية محرضة على الاقتتال وانتهاك الكرامة الإنسانية.

على ضوء كل ما تقدمنا به من أسباب نحن الموقعون أسفله نطالب:

أولا: بالدعوة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فوراً ودون قيد أو شرط كما نحثَ السلطات التونسية على احترام التزاماتها الدولية والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان التي صادقت عليها.

ثانيا: ندعو من السلطات التونسية أن توقف نزيف نسف الديمقراطية الناشئة والمحاكمات الجائرة والملاحقات المستمرة ضد خصوم النظام السياسيين وكل من ينتقده بالرأي او الكلمة او التعبير.

ثالثا: ندعو كل النشطاء والمتابعين للانخراط في المسار الوطني والدولي لإعادة الديمقراطية وإنهاء الحكم الفردي الذي عاد بتونس لسنوات الاستبداد والظلم وانتهاك الحقوق والحريات.