30 جويلية (يوليو) 2025 – يُواجه محمد القلوي، البالغ من العمر 70 عامًا والقيادي في حركة النهضة التونسية، معاملة قاسية في سجنه بسبب ممارسته الشعائر الدينية أثناء الاعتقال. تشير مصادر عائلية إلى أن القلوي اعتاد أداء صلاة قيام الليل والدعاء في زنزانته المكتظة، مما أثار حفيظة “كبير الزنزانة”وهو المسؤول غير الرسمي بين السجناء (الكبران). قام هذا الأخير بإبلاغ أعوان السجن والمشرفين بأن القلوي يصلي ليلًا ويدعو على “الظالمين” وبدلًا من احترام حقه في العبادة، عمد أعوان السجن إلى معاقبته بنقله إلى زنزانة أشد اكتظاظًا (تفوق طاقتها بثلاثة أضعاف) في ظل حرارة صيف تونس المرتفعة، كما تم حرمانه من العلاج الطبي الذي يحتاجه في محبسه – وهي إجراءات عقابية تنتهك أبسط حقوقه الإنسانية والدينية.
خلفية الاعتقال والسياق السياسي:
اعتُقل محمد القلوي مساء 9 سبتمبر 2024 ضمن حملة اعتقالات واسعة شنتها السلطات التونسية ضد قيادات وأنصار حركة النهضة. وجاء إيقافه برفقة عدد من زملائه – منهم محمد علي بوخاتم القيادي المحلي بولاية بن عروس – في سياق حملة أمنية تصاعدت مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر 2024. وقد اعتبرت حركة النهضة أن هذه الاعتقالات تعسفية تندرج ضمن سياسة التنكيل بالمعارضين، بهدف التضييق على الأصوات الحرة واستباق المنافسة الانتخابية. وعلى مدار الأيام التي تلت اعتقال القلوي، ارتفع عدد موقوفي النهضة إلى نحو 120 شخصًا في مختلف أنحاء البلاد، معظمهم من كبار السن والنشطاء في مجال العدالة الانتقالية. وأفادت هيئة الدفاع بأن أعمار غالبية هؤلاء المعتقلين تتراوح بين 60 و80 عامًا، وكثير منهم يعانون من أمراض مزمنة ويتناولون أدوية بشكل منتظم. ورغم ذلك، تشير تقارير حقوقية إلى تعرضهم لمعاملة قاسية ومتعمدة أثناء الاحتجاز، الأمر الذي نددت به الحركة خاصة وأن أغلب الموقوفين تجاوزوا الستين من العمر (تم اطلاق سراح جلهم فيما بعد).
تطورات القضية والتهم الموجهة:
في حين روّجت بعض الجهات الإعلامية المقربة من السلطة أن إيقاف محمد القلوي وآخرين جاء على خلفية تُهم خطيرة تتعلق بـ“الانتماء لتنظيم إرهابي” و“تبييض أموال”، فإن واقع القضية مختلف تمامًا. فلم يُنسب لمحمد القلوي أي دليل ملموس على ارتكاب جرائم؛ فهو معروف بدوره في ملف العدالة الانتقالية وعمله على كشف انتهاكات الماضي، وهو ما يُرجح أنه السبب الحقيقي لاستهدافه. منذ إحالة ملف القلوي ورفاقه إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في أواخر سبتمبر 2024، لا يزال القلوي رهن السجن الاحتياطي دون توجيه تهمة رسمية مباشرة إليه حتى الآن. وقد مرّت عدة أشهر بانتظار استكمال تقارير تحقيق يفترض أنها إجراءات روتينية لا تتطلب سوى بضعة ساعات لإنجازها (يوفرها البنك المركزي). وقد دفع هذا الوضع هيئة الدفاع وعائلة القلوي إلى التأكيد على ان قرار اعتقاله قرار سياسي وبأنه معتقل دون محاكمة عادلة أو حتى تحديد موعد لجلسة قضائية للنظر في قضيته. في 22 جانفي 2025 أعلن محمد القلوي دخوله في إضراب عن الطعام احتجاجًا على استمرار اعتقاله التعسفي ولسوء أوضاع سجنه، مطالبًا بإطلاق سراحه واحترام حقوقه الأساسية.
ظروف الاحتجاز والانتهاكات داخل السجن:
يعاني محمد القلوي، وهو رجل في السبعين من عمره، من ظروف احتجاز قاسية تنتهك بشكل صارخ حقوقه وكرامته الإنسانية. فقد وُضع في زنزانة مكتظة تفوق طاقتها الاستيعابية بثلاثة أضعاف، وسط موجة حرّ خانقة تشهدها تونس، ما يشكل خطرًا بالغًا على صحته، خاصة في ظل معاناته من أمراض مزمنة تستوجب رعاية طبية منتظمة.
لا يقتصر الأمر على الاكتظاظ وسوء التهوية، بل يتعرض القلوي أيضًا لتضييقات على حقه في ممارسة شعائره الدينية، ما يعكس تعسفًا مقصودًا في التعامل معه. وفي حين تعاني السجون التونسية أصلًا من مشاكل بنيوية مثل الاكتظاظ وتردي الخدمات، فإن ما يتعرض له القلوي يبدو بمثابة إجراء عقابي، يرقى إلى مستوى المعاملة القاسية أو اللاإنسانية. وقد اضطر القلوي، نتيجة هذا الوضع اللاإنساني، إلى الدخول في إضراب عن الطعام، في محاولة يائسة للفت الأنظار إلى معاناته ومعاناة بقية المعتقلين السياسيين في تونس.
مطالب المرصد:
تثير حالة محمد القلوي قلقًا بالغًا بشأن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في تونس. وعليه، يطالب المرصد السلطات التونسية بإنهاء الانتهاكات بحقه وضمان سلامته ويدعو الى:
- وقف المعاملة القمعية: يجب على إدارة السجن الكف فورًا عن أي إجراءات عقابية تستهدف القلوي بسبب ممارساته الدينية أو آرائه السياسية. إن التنكيل بالسجناء بسبب مواقفهم أو عباداتهم أمر غير مقبول إطلاقًا، ويتوجب التحقيق في واقعة معاقبته على أداء الشعائر الدينية ومحاسبة المسؤولين عنها.
- تحسين ظروف الاحتجاز: يتعين نقل القلوي إلى مكان احتجاز لائق يحترم كرامته الإنسانية، وتخفيف حالة الاكتظاظ التي يعاني منها كافة السجناء. كما يجب توفير التهوية والماء النظيف والرعاية الأساسية في زنزانته، خاصة في ظل حرارة الصيف التي تشكل تهديدًا صحيًا مباشرًا له وللمساجين.
- توفير الرعاية الطبية العاجلة: على سلطات السجن السماح فورًا بعرض محمد القلوي على أطباء مختصين، وتأمين حصوله المنتظم على أدويته اللازمة. إن حرمانه من العلاج يعرض حياته للخطر، ويشكل انتهاكًا للحق في الصحة المكفول للسجناء.
- احترام الحق في العبادة: يجب ضمان تمتع القلوي بحقه في ممارسة شعائره الدينية بحرية ودون مضايقة، ما دامت لا تشكل أي تهديد أمني أو إخلال بالنظام. فحرية المعتقد حق أساسي لا يسقط عن الإنسان بدخوله السجن.
- إطلاق سراحه أو توجيه تهم واضحة: إذا كانت السلطات التونسية عاجزة بعد كل هذه المدة عن تقديم أدلة واضحة وتوجيه تهمة محددة ضد محمد القلوي، فإنه يتوجب الإفراج الفوري عنه احترامًا لقرينة البراءة ولإنهاء معاناته. وإن وُجدت اتهامات جدية، فيجب توجيهها رسميًا له وتقديمه إلى محاكمة عادلة وعلنية تتوفر فيها ضمانات الدفاع. فاستمرار احتجاز القلوي دون تهمة يشكل اعتقالًا تعسفيًا مخالفًا للقانون، ويبعث برسالة سلبية حول استقلالية القضاء وحياد التحقيقات في تونس.
إن حادثة محمد القلوي ليست حالة معزولة، بل تعكس وضعية عدد كبير من المعتقلين السياسيين في تونس بعد إجراءات 25 جويلية 2021 الاستثنائية. غير أن ما يميز قضية القلوي هو اجتماع عدة عوامل خطيرة: تقدمه في السن ووضعه الصحي، غياب التهمة أو المحاكمة، والمعاملة المهينة التي يتعرض لها بسبب عبادته وعقيدته. كل ذلك يجعله رمزًا لمعاناة السجين السياسي في تونس اليوم. وعليه، يناشد ذوو القلوي ونشطاء حقوق الإنسان كلًا من السلطات التونسية والشركاء الدوليين التدخل العاجل لوضع حدٍّ لهذا الظلم. إن إنقاذ حياة محمد القلوي واحترام حقوقه الأساسية واجب إنساني وقانوني لا يحتمل التأجيل؛ فكرامة الإنسان وحرية معتقده يجب أن تبقى مصانة فوق كل الاعتبارات السياسية أو الأمنية.