Skip links

أونسي عبيشو: أُدين في عهد بن علي وحوكم بالمؤبد منذ 2021 رغم تبرئته قضائيا خمس مرات

اونسي عبيشو

08 أوت (أغسطس) 2025 – يقبع أونسي عبيشو وهو مواطن تونسي فرنسي، في سجن المرناقية منذ جويلية 2021 رغم صدور خمسة أحكام بالبراءة لفائدته. تعود قضية عبيشو إلى اتهامات بتكوين شبكة مخدرات تعود إلى سنة 2008، استندت إلى اعترافات انتُزعت تحت التعذيب في عهد بن علي، وتواصلت ملاحقته حتى بعد إسقاطها مرارًا، مما دفع منظمات حقوقية إلى التنديد بالانتهاكات التي طالت محاكمته واحتجازه.


تفاصيل القضية:

تعود القضية التي وجد “أونسي عبيشو” نفسه محاصرًا فيها منذ أكثر من 17 سنة إلى تاريخ 15 فيفري 2008، عندما تم ضبط شاحنة على مستوى ميناء حلق الوادي كانت متجهة نحو مدينة جنوة الإيطالية، وعلى متنها أكثر من 1.4 طن من مخدر القنب الهندي. وقد صرّح سائق الشاحنة عند التحقيق معه أن الشاحنة تم شراؤها من شخص يُدعى محمد زايد، الذي بدوره ذكر اسم أونسي عبيشو، مدعيًا أنه هو من باعهما الشاحنة، ومتهمًا إياه بالضلوع في عملية تهريب سابقة تعود لسنة 2007.

أونسي عبيشو، البالغ من العمر حينها 25 عامًا، لم يكن له أي سجل عدلي في تونس أو فرنسا، وكان يقيم بمدينة “ماسي” بالضاحية الباريسية، حيث يعمل كميكانيكي. لم يسبق له التورط في أية قضية، وكان يتنقل أحيانًا إلى تونس فقط لقضاء العطل مع أسرته. وقد صُدم حين تم إيقافه بألمانيا يوم 17 أكتوبر 2009 خلال رحلة عائلية، بالتزامن مع ولادة طفله الثاني، بعد صدور مذكرة جلب تونسية في حقه.

رغم محاولته وقف إجراءات التسليم عبر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تم ترحيله إلى تونس، حيث حُوكم غيابيًا في ديسمبر 2010 وصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة. وقد جاءت إدانته استنادًا إلى شهادة محمد زايد، الذي عاد لاحقًا وتراجع عنها مؤكدًا أنها انتُزعت منه تحت التعذيب في عهد بن علي، وأنه لا صلة لعبيشو إطلاقًا بالقضية، بل إنه اشترى منه المركبة قبل استخدامها في التهريب.

مع تغيّر النظام السياسي إثر الثورة، تم الإفراج عن محمد زايد وزميله بعد الاعتراف بأن اعترافاتهما انتُزعت تحت التعذيب، فيما بقي ملف أونسي مفتوحًا. وفي سنة 2011، قضت محكمة الاستئناف ببراءة أونسي عبيشو على ضوء هذه المعطيات، فعاد إلى فرنسا ظنًا منه أن كابوسه قد انتهى.

غير أن المسار القضائي ظلّ متعثرًا بشكل غريب، حيث أبطلت محكمة التعقيب التونسية أحكام البراءة لأسباب شكلية، مثل غياب توقيع أحد القضاة، دون إعلام المعني بالأمر. وصدرت ضده أحكام جديدة بالسجن المؤبد غيابيًا دون علمه. وفي سنة 2016، تم إعلامه بوضعه القضائي عند دخوله تونس، وتمكن من المغادرة بعد تقديم اعتراض على الحكم. لكن عند زيارته لتونس في أوت 2021 لعيادة والديه، تم اعتقاله من جديد وأودع سجن المرناڨية.

منذ ذلك الحين، قضت محاكم تونسية ببراءته مرتين إضافيتين في ملف 2008، لكن النيابة العمومية طعنت في الحكمين، وقضت محكمة التعقيب بإلغائهما بسبب ما وصفته بـ”نقائص إجرائية”، دون المساس بأصل البراءة أو تفنيد تراجع الشاهد الرئيسي.

وفي أحدث تطور، أعادت المحكمة إدانته في جلسة غيابية وقضت بسجنه مدى الحياة، دون تمكينه من حضور المحاكمة أو الدفاع عن نفسه. وبذلك، تم إبقاؤه رهن الإيقاف، رغم إقرار محكمة سابقة بعدم سماع الدعوى في حقه، بل ورغم بطلان الأدلة الرئيسية ضده.

وقد وثقت منظمات حقوقية، على غرار المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT)، أن أونسي لم يُمكّن من محاكمة عادلة، وأن السلطات التونسية استندت إلى أدلة مشوبة بانتهاكات، ما يُعد إخلالًا فادحًا بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

علاوة على ذلك، نُقل أونسي إلى سجن المرناقية، حيث تدهورت حالته الصحية والنفسية نتيجة ظروف الاحتجاز السيئة. وتفيد تقارير بأنّه يرفض الطعام بشكل جزئي منذ أشهر، ويعيش في زنزانة مكتظة، في غياب العناية الطبية الكافية، مما يهدد حياته.

وقد تدخلت عائلته لدى السفارة الفرنسية في تونس، والتي تتابع وضعه، كما أصدرت OMCT نداءً عاجلًا في ماي 2025 للمطالبة بإطلاق سراحه وإعادة محاكمته ضمن إجراءات عادلة وشفافة.

انتهاكات حقوق الإنسان:

تشكل قضية أونسي عبيشو مثالًا واضحًا على الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان، من حيث:

  • انتهاك الحق في المحاكمة العادلة: عبر الاعتماد على اعترافات تم الإدلاء بها تحت التعذيب، وحرمانه من المواجهة والحضور العلني في جلسات المحاكمة، وغياب الشفافية القضائية.

  • حرمان تعسفي من الحرية: رغم تعدد الأحكام بالبراءة، بقي أونسي رهن الإيقاف بتعلات إجرائية شكلية، ما يُعد انتهاكًا للفصل 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على أن “لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفًا”.

  • سوء المعاملة وظروف الاحتجاز: يعيش أونسي عبيشو في زنزانة مكتظة دون رعاية طبية، في انتهاك للمعايير الدنيا لمعاملة السجناء، ويخضع لضغط نفسي دائم، دفعه للدخول في حالة “إضراب بطيء عن الطعام”، ما يهدد حياته.

  • الإفلات من العقاب واستخدام العدالة كأداة انتقام سياسي أو بيروقراطي: فبدلًا من احترام أحكام البراءة، تتذرّع المحاكم بأسباب شكلية لإبقاء الملف مفتوحًا، مما يكرّس المساس بثقة المواطنين في استقلال القضاء.

ينتهك هذا المسار القانوني أيضًا مبادئ العدالة الانتقالية التي يُفترض أن تلتزم بها الدولة التونسية ما بعد الثورة، وتُظهر كيف أن منظومة القضاء، أو جزءًا منها، لا تزال أسيرة ممارسات عهد ما قبل الثورة.


 يطالب مرصد الحرية لتونس بـ:

  • الإفراج الفوري عن أونسي عبيشو، وتمكينه من الرعاية الصحية والنفسية اللازمة.

  • إسقاط كل التهم القائمة على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وإبطال الأحكام الصادرة غيابيًا ضده.

  • فتح تحقيق جدي في أسباب تكرار إلغاء أحكام البراءة، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات القضائية.

  • ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات عبر إصلاح فعلي لجهاز القضاء وضمان استقلاله.

  • دعوة الهيئات الأممية، وعلى رأسها الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، إلى التدخل العاجل في هذا الملف.

شارك

المزيد من المقالات

مراد المسعودي

بسبب ترشحه للانتخابات الرئاسية: إيداع القاضي مراد المسعودي السجن بعد اعتقاله وتعنيفه أمام عائلته

16 أوت (أغسطس) 2025 – أُودع القاضي مراد المسعودي السجن تنفيذًا لحكم غيابي صدر في 2024، رغم إيقاف تنفيذ قرار عزله من قبل المحكمة الإدارية. وتعود القضية إلى اتهامات بتدليس تزكيات الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية، وهي التهم التي نفاها مراد المسعودي جملة وتفصيلًا، وأكد -الى جانب هيئة الدفاع- انها ذات خلفية سياسية…

مراد المسعودي

اعتقال القاضي مراد المسعودي واقتحام منزل أصهاره دون اذن قضائي وضربه أمام أسرته في الشارع

15 أوت (أغسطس) 2025 – تعرّض القاضي مراد المسعودي، مساء الجمعة، لعملية اعتقال عنيفة من قبل عناصر بزي مدني، في أحد شوارع العاصمة، قبل أن يُقتاد إلى جهة مجهولة، في ظروف ترتقي إلى مستوى الاختفاء القسري. وأفادت مصادر متطابقة أنّ عناصر الأمن اعتدوا عليه جسديًا أمام ابنته وأطفال من عائلة زوجته، وأصابوا شقيقة زوجته التي نُقلت على جناح السرعة إلى المستشفى، قبل أن يقتحموا منزل أصهاره بعنف، دون إذن قضائي…

المهدي بن حميدة

احتجاجًا على مواصلة احتجازه دون محاكمة: الناشط مهدي بن حميدة يواصل إضرابه عن الطعام

06 أوت (أغسطس) 2025 – يواصل الناشط الحقوقي التونسي- السويسري مهدي بن حميدة إضرابه المفتوح عن الطعام منذ 3 أوت 2025 داخل سجن بلّي جنوب شرق العاصمة، احتجاجًا على ما اعتبره مسارًا قضائيًا تعسفيًا وامتناعاً متكرراً عن توفير محاكمة عادلة، بعد إيقافه يوم 14 فيفري (فبراير) 2025 لحظة وصوله إلى مطار تونس قرطاج لزيارة والدته المسنّة…

انتهاكات خطيرة في السجون التونسية: رابطة حقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر

05 أوت (أغسطس) 2025 – نددت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان لها بتزايد الانتهاكات الخطيرة داخل السجون ومراكز الإيقاف في تونس، مشيرة إلى تصاعد حالات الموت المستراب خلال الأشهر الأخيرة، بالتوازي مع ما وثقه مرصد الرابطة للحقوق والحريات من شهادات وتقارير تؤكد تفشي الاعتداءات وسوء معاملة الموقوفين والمساجين، في ظل صمت رسمي وصفته بـ”المقلق” وسعي بعض الجهات إلى تبرير هذه الانتهاكات والتقليل من خطورتها…

نداء إلى العمل من أجل حقوق الإنسان في تونس

عريضة الموقع: الحرية لمعتقلي الرأي والنشطاء في تونس !

‎لم تعد تونس الاستثناء العربي الوحيد الذي أشعل فتيل الثورات في العالم سنة 2011 بثورة بطولية أطاحت بحكم زين العابدين بن علي، الذي ظل مستمرا لمدة تناهز 23 سنة بعد استيلاءه على السلطة في 7 نوفمبر 1987 خلفا للحبيب بورقيبة.

في خطوة مماثلة وربما أكثر خطورة، أقدم الرئيس التونسي قيس سعيد ليلة 25 يوليو 2021 على القيام “بانقلاب دستوري” وفقا لتأويله الشخصي للفصل 80 من دستور الثورة 2014 مُعلنا اتخاذه مجموعة من الإجراءات الاستثنائية بسبب “خطر داهم” يهدد البلاد التونسية دون تقديم أي تفاصيل وأسباب الى حدّ كتابة هذه الأسطر.

وبموجب تلك الإجراءات قرر سعيّد عزل الحكومة ورئيسها “هشام المشيشي” الذي كان حاضرا في اجتماع مجلس الأمن القومي تلك الليلة بقصر قرطاج، وزعم أنه اتصل برئيس البرلمان راشد الغنوشي (زعيم حزب حركة النهضة) للتشاور معه وفق ما يمليه الدستور، الأمر الذي نفاه الغنوشي مؤكدا انه اتصال عادي لم يتضمن أي مشاورات أو حديث حول فحوى الإجراءات الاستثنائية، وقام الرئيس بتجميد أعمال البرلمان ثم حله في مارس/ آذار 2022.

ولم يكتف الرئيس سعيّد بتجاوز صلاحياته وفصول الدستور التي أقسم على الحفاظ عليه أمام مجلس نواب الشعب بل وقام بتغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء واعتبره “وظيفة” وليس سلطة مستقلة بذاتها وقام أيضا بتغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تحضيرا لمراحل انتخابية عقدها لفائدة تغيير دستور كتبه بنفسه وألغى آراء اللجان الاستشارية التي عينها بنفسه أيضا. ثم نظم انتخابات تشريعية على دورتين لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 8% من مجموع الناخيبن وتداركت هيئة الانتخابات الاحصائيات فيما بعد لتعلن أنها وصلت لـ11 %وهو الرقم الأدنى عالميا ومحليا.

بتاريخ 11 فبراير/شباط شن نظام الرئيس سعيد حملة اعتقالات لم تتوقف، شملت نشطاء سياسيين ورجال أعمال واعلاميين وصحفيين وقضاة وموظفين سامين في الدولة تحت عنوان “التآمر على أمن الدولة وارتكاب فعل موحش ضد رئيس الجمهورية” إضافة لتهم أخرى تم إحالتها على النيابة العسكرية ما يطرح أسئلة حول مدى تدخل الجيش التونسي في الإجراءات التي قام بها الرئيس سعيد.

وقد شابت عمليات الاعتقال التعسفي عدة خروقات وإخلالات إجرائية وسط تحذيرات من المنظمات والمراصد الدولية الناشطة بمجال حقوق الانسان ولم يتم احترام معايير التقاضي والإقامة السجنية وطالت الملاحقات في بعض الأحيان عائلات الضحايا وأسرهم ووظائفهم ولم يتم إثبات أي تهم أو وقائع منسوبة للمتهمين.

كما تتعرض النقابات والأحزاب السياسية لمضايقات مستمرة ولم يتوقف الرئيس سعيد عن اتهام كافة الأجسام الوسيطة بمختلف أنواعها “بالعمالة” أو “الخيانة” ولم تسلم المنظمات والجمعيات من الملاحقات والاعتقالات التعسفية والحرمان من التمثيل القانوني وسط ارتفاع وتيرة العنف في المجتمع بسبب تبني السلطات خطابات وشعارات عنصرية وتمييزية محرضة على الاقتتال وانتهاك الكرامة الإنسانية.

على ضوء كل ما تقدمنا به من أسباب نحن الموقعون أسفله نطالب:

أولا: بالدعوة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فوراً ودون قيد أو شرط كما نحثَ السلطات التونسية على احترام التزاماتها الدولية والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان التي صادقت عليها.

ثانيا: ندعو من السلطات التونسية أن توقف نزيف نسف الديمقراطية الناشئة والمحاكمات الجائرة والملاحقات المستمرة ضد خصوم النظام السياسيين وكل من ينتقده بالرأي او الكلمة او التعبير.

ثالثا: ندعو كل النشطاء والمتابعين للانخراط في المسار الوطني والدولي لإعادة الديمقراطية وإنهاء الحكم الفردي الذي عاد بتونس لسنوات الاستبداد والظلم وانتهاك الحقوق والحريات.