في مهد ثورة الكرامة، تونس، الحقوق والحريات الأساسية تُداس
شهدت تونس منذ 25 جويلية/يوليو تراجعا حادا للمكاسب التي حققتها ثورة 2011 حيث أقدم الرئيس التونسي قيس سعيّد على اتخاذ جملة من الإجراءات الاستثنائية المخالفة لدستور البلاد (دستور 2014) وقام بموجبها بحلّ البرلمان وعزل الحكومة وقام بتغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، كما أعلن توليه وظيفة النيابة العمومية وأصدر دستورا جديدا للبلاد بمشاركة ضعيفة لا تتجاوز 30% وسط مقاطعة أغلب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إضافة لغياب الشفافية وبعثات المراقبة الدولية.
ووصفت منظمة العفو الدولية إقرار الدستور الجديد بالانتكاسة مؤكدة أنه يفكك أو يهدد الضمانات المؤسسية الرئيسية لحقوق الإنسان وقالت لجنة البندقية “التابعة لمجلس أوروبا” في تقرير لها بتاريخ 27 ماي/ مايو 2022 «أنه ليس من الواقعي التخطيط لتنظيم استفتاء دستوري موثوق وشرعي في 25 جويلية/ يوليو 2022». مما أثار انزعاج الرئيس قيس سعيد وهدد بسحب عضوية تونس من اللجنة بالإضافة إلى دعوته مبعوثيها إلى مغادرة البلاد على الفور.
وصفت منظمة العفو الدولية إقرار الدستور الجديد بالانتكاسة مؤكدة أنه يفكك الضمانات المؤسسية الرئيسية لحقوق الإنسان
كما أصدر سعيّد في نفس السنة مرسوما رئاسيا لدعوة الناخبين للمشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة والتي جرت على دورتين، حيث انعقدت الجولة الأولى يوم 17 ديسمبر 2022 وأُقيمت الجولة الثانية يوم 29 جانفي/ يناير 2023، وبلغت نسبة إقبال الناخبين في هذه الانتخابات أدنى مستوى محليًا وعالميًا إذ كانت 11.2% في الجولة الأولى وزادت إلى 11.4% في الجولة الثانية.
ومنذ تفعيل اجراءته الاستنائية وفقا للفصل 80 من الدستور، أطلق سعيّد حملة ملاحقات متواصلة ضد المعارضين السياسيين والنشطاء ورجال الأعمال والإعلاميين والقضاة وكل من ينتقد النظام السياسي، وأصدر المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي مثّل انتكاسة حقيقية لكل ما يتعلق بحرية الاعلام والصحافة وحرية التعبير التي تراجعت بـ21 مرتبة سنة 2022 في التصنيف السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود.
منذ تفعيل اجراءته الاستنائية، أطلق سعيّد حملة ملاحقات متواصلة ضد المعارضين السياسيين والنشطاء ورجال الأعمال والإعلاميين والقضاة وكل من ينتقد النظام السياسي
وشملت الملاحقات عددا من الصحفيين والسياسيين والمدونين ونذكر منهم:
- الصحفية منية العرفاوي بسبب نقدها لوزير الشؤون الدينية.
- المحامي والسياسي غازي الشواشي بسبب نقده لوزيرة العدل.
- المحامي والسياسي العياشي الهمامي بسبب نقده لوزيرة العدل.
- السياسية شيماء عيسى بسبب نقدها لرئيس الجمهورية.
- الصحفي نزار بهلول بسبب نشره لمقال رأي ينتقد فيه رئيسة الحكومة.
- الطالب أحمد بهاء الدين حمادة بسبب نشره معلومات حول احتجاجات بأحد الأحياء الشعبية.
- العضو السابق لهيئة الانتخابات سامي بن سلامة بسبب نقده لمجلس هيئة الانتخابات.
- الناشط بالمجتمع المدني حمزة العبيدي بسبب تدوينة يدعو فيها إلى الثورة.
- رسام الكاريكاتير توفيق عمران بسبب كاريكاتير “مسيء” لرئيس الحكومة.
ولم يتوقف نزيف ضرب مكتسبات الثورة التونسية فقد قام الرئيس سعيد بتغيير تاريخ الاحتفال بعيد الثورة والذي كان يُقام في 14 جانفي/ يناير وهو تاريخ هروب الرئيس السابق الديكتاتور زين العابدين بن علي وهو ما أثر غضب عائلات شهداء وجرحى الثورة اللذين أصدروا بيانا نددوا فيه باستهداف الرصيد الرمزي للثورة.
كما واصل قيس سعيد تكريس سياسة عدم الشفافية في التعيينات وقام بمكافئة وتكريم كل من ساعده لتأسيس نظامه الشمولي ونسف الديمقراطية وأصدر مرسوما آخر (عدد 591 لسنة 2023 المُؤرّخ في 21 سبتمبر 2023) ويتعلق بإجراء تدقيق شامل لعمليات الانتداب والإدماج بالوظيفة العمومية وهو بمثابة عملية “تطهير” واجتثاث لكل موظف معارض او محسوب على النظام الذي سبقه.
المصادر
- منظمة العفو الدولية. تونس: اعتماد دستور جديد يمثل انتكاسة لحقوق الإنسان. 27-07-2022.
- الجزيرة نت. نيويورك تايمز: الانتخابات البرلمانية أشارت بقوة إلى تلاشي الدعم للرئيس التونسي. 01-02-2023.
- اللجنة الأوربية للديمقراطية عن طريق القانون (لجنة البندقية). Tunisia – Urgent Opinion “on the constitutional and legislative framework on the referendum and elections announcements by the President of the Republic. 27-05-2022