13 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 – أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي لدى محكمة الاستئناف بتونس حكمًا يقضي بعدم سماع الدعوى في حق وزير البيئة الأسبق رياض الموخّر، وإطار من الحماية المدنية ملحق بالوزارة، في القضية المتعلقة بصفقة لاقتناء سيارات إدارية خلال فترة إشرافه على الوزارة.
وقد تم اعتقال وسجن رياض الموخّر ليلة 9 – 10 مارس 2023 اثر اصدار قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بطاقة إيداع بالسجن في حقّه على خلفية الاتهامات المتعلقة بالصفقة العمومية، وتم نقله مباشرة إلى سجن المرناقية. ومنذ ذلك التاريخ، ظلّ الموخّر موقوفًا على ذمّة القضية لمدة تقارب السنتين (حوالي 713 يومًا) دون صدور حكم بات، إلى أن قرّرت الدائرة الجنائية لدى محكمة الاستئناف الإفراج عنه في فيفري 2025.
خلفية القضية:
تعود القضية إلى مارس 2023 حين أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بطاقة إيداع بالسجن ضد رياض الموخّر، استنادًا إلى الفصل 96 من المجلة الجزائية الذي يجرّم “استغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها والإضرار بالإدارة”. ويُعدّ هذا الفصل من أكثر النصوص القانونية إثارةً للجدل نظرًا لعموميته وصعوبة ضبط نية الإضرار، ما جعله أداة شائعة في استهداف المسؤولين السابقين والمعارضين السياسيين.
وفي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الابتدائية حكمًا ابتدائيًا بالسجن 3 سنوات ضد الموخر وسنتين ضد الإطار الإداري الملحق بالوزارة. غير أن هيئة الدفاع أكدت آنذاك أنّ الصفقة المعنية تمّت وفق التراتيب الإدارية والمالية، ولم يحقق الموخر أي فائدة شخصية، ولم تُسجَّل خسائر فعلية للدولة، معتبرة أن الملف “مبني على فرضيات واستنتاجات لا على أدلة مادية”.
وفي 20 فيفري 2025، قررت محكمة الاستئناف الإفراج عن المتهمين والإبقاء عليهما بحالة سراح، وهو ما اعتُبر مؤشرًا مبكرًا على ضعف الحجة القانونية، قبل أن تصدر الدائرة الاستئنافية اليوم حكمها النهائي بنقض الإدانة السابقة والقضاء مجددًا بعدم سماع الدعوى، بما يعني إسقاط التهم نهائيًا وانتفاء أي مسؤولية جزائية.
يرى مرصد الحرية لتونس أن القضية تمثل نموذجًا جديدًا لاستعمال الفصل 96 كأداة للضغط السياسي والإعلامي على المسؤولين السابقين، رغم غياب الركن المادي للجريمة. فالملف لم يتضمّن أي دليل على تحقيق فائدة شخصية أو إلحاق ضرر بالدولة، وهو ما أكده الحكم النهائي.
ويعتبر المرصد أن هذا الحكم ينصف رياض الموخر بعد سلسلة من الإجراءات المبالغ فيها، ويكشف في الآن ذاته عن الطابع الانتقائي في ملاحقة بعض المسؤولين دون غيرهم، في ظل مناخ سياسي يسوده التوظيف المكثف للاتهامات بالفساد لتشويه الخصوم أو إلهاء الرأي العام.
كما يجدد المرصد التأكيد على ضرورة مراجعة النصوص الجزائية الفضفاضة التي تُستعمل لتأويل نوايا أو قرارات إدارية كجرائم فساد دون سند واقعي، وعلى رأسها الفصل 96 من المجلة الجزائية.
يطالب مرصد الحرية لتونس بـ:
فتح نقاش وطني واسع حول إصلاح المنظومة القانونية للفصل 96 بما يضمن دقة التكييف ويفصل بين الخطأ الإداري والجرم الجزائي.
تعويض المتهمين الذين تمت ملاحقتهم ظلمًا بموجب قضايا ثبتت براءتهم فيها بعد سنوات من التقاضي.
وضع ضمانات ضد تسييس القضاء المالي وإلزام النيابة العمومية بتبرير الإيقافات والاتهامات بأدلة ملموسة.
مراجعة الملفات المماثلة التي استندت إلى نفس الفصل دون وجود ضرر فعلي للدولة.