29 جويلية (يوليو) 2025 – قالت منظمة العفو الدولية إن الأحكام الجماعية الصادرة بتاريخ 8 جويلية ضدّ 21 متهماً في ما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة 2” تمثّل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان وتُعدّ مثالاً جديداً على استغلال القضاء في تونس لتصفية الحسابات السياسية وإسكات المعارضين.
وذكرت المنظمة أن هذه القضية، التي تستند إلى تهم فضفاضة تتعلق بالإرهاب وأمن الدولة، هي الأحدث في سلسلة من الملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية التي يبدو أنها تهدف إلى إسكات المعارضة السلمية وترهيب وقمع منتقدي حكومة الرئيس قيس سعيّد.
وقالت سارة حشاش، نائبة المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية:
“الإدانات في ’قضية التآمر 2‘ تُعد ظلمًا بالغًا واعتداءً صارخًا على التزامات تونس الحقوقية. يجب الإفراج فورًا عن جميع الأفراد الذين احتُجزوا فقط بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والمشاركة السياسية”.
وأضافت: “توضح هذه القضية كيف يُساء استخدام نظام العدالة الجنائية في تونس لقمع المعارضة السلمية واضطهاد الأفراد لمجرد ممارستهم لحقوقهم الأساسية. إن التوسع في استخدام تشريعات مكافحة الإرهاب لمعاقبة المعارضة السلمية هو نمط مقلق للغاية تقوم منظمة العفو الدولية بتوثيقه منذ عام 2023”.
ودعت المنظمة السلطات التونسية إلى إنهاء الحملة القمعية المستمرة ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المنتقدين تحت غطاء الأمن القومي، وإلى استعادة استقلال القضاء وسيادة القانون، ووضع ضمانات فعالة لمنع إساءة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب كأدوات للقمع.
محاكمة جماعية وعقوبات مشددة:
افتُتحت المحاكمة يوم 24 جوان 2025، وانتهت في 8 جويلية بإدانة جماعية شملت 21 من أصل 24 شخصًا، من بينهم قياديون بارزون في حزب النهضة، ومسؤولون حكوميون وأمنيون سابقون، ومحامون، وأعضاء في المعارضة السياسية.
وقد صدرت أحكام بالسجن تتراوح بين 12 و35 سنة ضد 21 متهمًا، في حين تمّت تبرئة متهم واحد، وينتظر اثنان آخران قرارًا بشأن طعنهما في لائحة الاتهام.
ومن بين الذين أُدينوا، راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة، الذي حُكم عليه بالسجن 14 سنة غيابيًا بعد رفضه المثول أمام المحكمة. كما حُكم على الحبيب اللوز، وسمير الحناشي، وفتحي البدوي بالسجن 12 سنة، فيما حُكم على معاذ الخريجي ولطفي زيتون غيابيًا بالسجن 35 سنة لكل منهما.
أدلة مشكوك فيها وانتهاكات للإجراءات القانونية:
بدأ التحقيق في ماي 2023، بناءً على بلاغ من مخبر مجهول أفاد بوجود شبكة سرّية يقودها الغنوشي تهدف إلى “تغيير هيكلة الدولة”، بمساعدة إطار سابق في وزارة الداخلية، كمال بن البدوي.
وادعى المخبر أن الشبكة تقوم بتجنيد أعوان أمن والتنسيق مع متهمين آخرين. وقد دعّمت هذه الادعاءات لاحقًا إفادات من مسؤولين أمنيين، أحدهم مجهول الهوية.
استندت التهم إلى مزاعم بـ”التآمر على أمن الدولة”، اعتمادًا على شهادات شهود مجهولين، واتصالات تم اعتراضها، ووثائق تم حجزها خلال مداهمات أمنية.
وقد تضمن هذا “الدليل” مواد تتعلق بانتقادات سياسية واتصالات خاصة موجهة ضد الرئيس سعيّد تعود للفترة بين 2011 و2022، دون أن تتضمن أدلة ملموسة على ارتكاب أي أفعال مجرّمة.
وأكدت المنظمة أن المزاعم بشأن وجود “جهاز أمني سرّي” لدى المعارضة لم تُدعّم بأي دليل قابل للتحقق المستقل، وأن النيابة اعتمدت بشكل أساسي على شهادات مجهولة روّجت لها وسائل إعلام موالية ونقابات أمنية، دون تقديم وثائق رسمية أو إجراء تحقيق مستقل يدعم تلك الادعاءات.
إجراءات جائرة ومحاكمة غير عادلة:
شابت المحاكمة انتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية. ففي فيفري 2025، قررت المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة أن تُجرى محاكمات الإرهاب القادمة عبر الفيديو (عن بعد) من داخل السجون، بحجة “وجود مخاطر حقيقية” لم يتم توضيحها. وتم تمديد هذا القرار لاحقًا دون شرح إضافي.
وقد أُجبر المتهمون الموقوفون على المشاركة في الجلسات عن بُعد، وهو ما قلّص من قدرتهم على التواصل مع محاميهم أو متابعة مجريات المحاكمة، وفقًا لهيئة الدفاع. كما مُنع الصحفيون والمراقبون المستقلون وعائلات المتهمين من دخول المحكمة تحت ذريعة “الضرورات الأمنية”، ما أثّر بشكل مباشر على شفافية الجلسات.
وقالت سارة حشاش في ختام البيان: “هذه المحاكمات تفتقر إلى العدالة والمصداقية والشفافية. الاعتماد المفرط على مصادر مجهولة وإجراءات سرّية يجعل هذه المحاكمات صورية، ويحوّل الأحكام الصادرة إلى تشويه سافر للعدالة”. وأضافت: “على السلطات التونسية أن تتوقف عن استخدام القضاء لاستهداف المعارضين السياسيين، وأن تحترم سيادة القانون وتضمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين”.
السياق العام:
منذ 25 جويلية 2021، وثّقت منظمة العفو الدولية تصاعدًا خطيرًا في حملة القمع التي تشنّها السلطات التونسية ضد المعارضين السياسيين، بما في ذلك عبر الملاحقات القضائية التعسفية، والاحتجاز التعسفي، والتضييق على الصحفيين المستقلين، والمحامين، والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وسبق للمنظمة أن رصدت انتهاكات جسيمة لمعايير المحاكمة العادلة، واستغلال النظام القضائي لأغراض سياسية، خاصة من خلال توجيه تهم غامضة وغير مدعّمة بأدلة ملموسة.