- مقدمة:
يتناول هذا التحليل الوجيز القضية المعروفة إعلاميًا باسم “قضية التآمر على أمن الدولة – 2″، وهي إحدى أخطر القضايا السياسية-القضائية التي أطلقتها السلطات التونسية في ظل نظام الرئيس قيس سعيد ضد عدد من أبرز المعارضين السياسيين والناشطين الحقوقيين.
يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل حقوقي وقانوني مُبسط للملف، بالاعتماد على الوثائق القضائية الرسمية، وعلى قرار ختم البحث الصادر عن قاضي التحقيق، إلى جانب وثائق الطعن الصادرة عن هيئة الدفاع، والمبادئ القانونية المنصوص عليها في الدستور التونسي وفي المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية التونسية.
- السياق السياسي العام:
تندرج هذه القضية ضمن سياق أوسع من التحول السلطوي الذي تعرفه تونس منذ إعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 جويلية 2021. وقد تبعتها موجة من الاعتقالات السياسية والمحاكمات التي استهدفت معارضين وناشطين وصحفيين، في استغلال مفرط لقوانين مكافحة الإرهاب.
القضية الحالية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها قضايا مشابهة حملت نفس العنوان: “التآمر على أمن الدولة”، ما يدل على نمط متكرر في توظيف القضاء لضرب الخصوم السياسيين.
- التعريف بالقضية:
ترتكز القضية على شهادة واحدة لشخص مجهول الهوية الشاهد “X” دون وجود أدلة مادية مباشرة، مثل الأسلحة أو الخطط التنفيذية ادعى وجود شبكة يقودها سياسيون معارضون يهدفون إلى إسقاط النظام عبر وسائل إرهابية. كما تعتمد على قراءات تحليلية لتسجيلات هاتفية واتصالات عادية لم يثبت أنها تتعلق بأعمال عنف. وتبدو العلاقة بين المتهمين مختلفة في الاتجاهات الفكرية والسياسية، ما يضعف فرضية وجود “تنظيم موحد”.
من بين الاتهامات:
. تكوين وفاق إرهابي.
. التآمر على أمن الدولة الداخلي.
. تمويل الإرهاب.
. غسل الأموال.
. محاولة قلب نظام الحكم.
. استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف.
- قائمة المتهمين
– في الإيقاف:
- راشد الغنوشي
- كمال البدوي
- ريان الحمزاوي
- عبد الكريم العبيدي
- محرز الزواري
- سمير الحنّاشي
- علي العريض
- الحبيب اللوز
- فتحي البلدي
– في حالة سراح:
- رضا العياري
- نبيل البوليفي
- الصادق شورو
– في حالة فرار أو خارج البلاد:
- رفيق يحيى
- معاذ الخريجي
- نادية عكاشة
- شهرزاد عكاشة
- عبد القادر فرحات
- كمال القيزاني
- لطفي زيتون
- يوسف الشاهد
- ماهر زيد
- مصطفى خذر
- عادل الدعداع
- رفيق عبد السلام
- تحليل الاتهامات الرسمية:
استند قرار ختم البحث على شاهد مجهول، وبيانات اتصالات، وتحاليل فنية، وتقارير أمنية. وقد نُسبت إلى المتهمين أفعال منها:
. التخطيط لتغيير هيئة الدولة بالقوة.
. الإشراف على شبكات سرية مسلحة.
. تلقي تمويل خارجي.
. تشكيل خلايا نائمة.
. إعداد عمليات اغتيال.
. استهداف منشآت حيوية.
إلا أن كل هذه الادعاءات لم تدعمها أدلة مادية مباشرة. بل إن الاعتماد الأساسي كان على شهادة واحدة محجوبة، متضاربة وغير ثابتة خاصة بعد تراجعه عن كثير من اقواله، مما يقوّض جدية الملف برمّته.
6. التجاوزات القانونية والإجرائية:
أ. خروقات قانونية جوهرية
- عدم اختصاص دائرة الاتهام: تم إصدار قرار الاتهام من دائرة صيفية لا تنتمي للقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، ما يعد خرقًا للفصل 40 و49 من قانون مكافحة الإرهاب.
- تجاهل مطاعن الدفاع: لم ترد دائرة الاتهام على المطاعن الجوهرية المتعلقة بعدم وجود أدلة مادية، ما يمثل خرقًا للفصل 110 من مجلة الإجراءات الجزائية.
- الاعتماد على شهادة وحيدة ومتناقضة لشخص محجوب الهوية، رغم أن الشهادة خالية من أي سند مادي ومعتمدة على مزاعم عامة متضاربة.
ب. الطابع الكيدي للقضية
- الاتهامات استندت إلى نشاط سياسي مشروع مثل تنظيم مظاهرات أو اتصالات بين سياسيين دون أن تثبت أية نية أو فعل مادي عنيف.
- ادعاء وجود “جهاز سري” مبني على روايات تم دحضها سابقًا في قضايا أخرى، منها قضية الجهاز السري التي لم تسفر عن إدانة.
- أغلب ما ورد حول تمويل الإرهاب أو حيازة أسلحة لم يتم إثباته بمحجوزات ذات طابع مستقل أو موثق.
السياق السياسي: بين القانون والاستهداف السياسي
تشير مجريات التحقيق والمحاكمات إلى نمط متكرر من استخدام القوانين الاستثنائية، وعلى رأسها قانون مكافحة الإرهاب، لتصفية المعارضين السياسيين.
- تم الزج براشد الغنوشي في أكثر من قضية، آخرها هذه القضية، بهدف شل المعارضة كليًا وإيهام الرأي العام بوجود (مؤامرة) في هذا الملف وتم نسب صلات لا دليل عليها بين كمال البدوي والغنوشي.
- تزامنت القضايا مع تراجع استقلالية القضاء، حيث تمت إقالة عدد من القضاة جماعيا من بينهم سمير الزوابي قاضي التحقيق الذي باشر الأبحاث في هذا الملف.
- اتهام شخصيات بالتعاون مع الجهاز السري ثم تبيّن عدم صحة أقوال الشاهد x عند سماعهم.
- ادعاء وجود تحركات ولقاءات لم تثبت بأي تسجيل أو وثيقة.
- تراجع الشاهد المجهول الهوية لاحقًا عن كثير من تصريحاته وأقواله (لم يتم اعتماد ذلك في قرار ختم البحث).
غياب الأفعال الإرهابية:
يشترط الفصل 13 من قانون الإرهاب أعمالًا مادية ترهب السكان أو تدفع الدولة إلى اتخاذ قرارات تحت الإكراه. لا تتضمن القضية أي فعل من هذا القبيل، مما يُفقد التكييف القانوني صفته.
خرق الفصل 72 من المجلة الجزائية:
الاتهام بمحاولة قلب نظام الحكم يستوجب فعلًا ماديًا عنيفًا، ولم يثبت في الملف وجود أي هجوم أو سلاح أو تحرك ميداني حقيقي. الاتصالات الهاتفية، حتى إن كانت مكثفة، لا تشكل دليلاً على نية انقلابية.
غياب المعايير الدولية للمحاكمة العادلة
تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على:
. الحق في الاطلاع على الأدلة.
. الحق في استجواب الشهود.
. ضرورة الفصل بين السياسي والجنائي.
اعتماد القضاء التونسي على شاهد سري دون مواجهة، مع التعتيم على الأدلة، يتعارض تمامًا مع المعايير الدولية.
التوظيف السياسي للقضاء
يتبيّن من خلال خلفيات القضية، وقائمة المستهدفين فيها، أن السلطة تسعى إلى:
. استهداف القيادة السياسية للمعارضة.
. تشويه صورة الأحزاب السياسية وعدد من الشخصيات الوطنية.
. خلق انطباع بوجود خطر إرهابي لتبرير القمع.
الأدلة التي يُفترض أن تشكل خطرًا حقيقيًا على أمن الدولة، تبيّن في معظمها أنها:
. مقالات منشورة.
. مشاركات في مظاهرات مرخصة.
. اتصالات لا تحتوي مضمونًا إرهابيًا.
موقف مرصد الحرية لتونس:
إن القضية المعروفة إعلاميًا بـ”قضية التآمر 2″ ليست سوى فصل جديد من فصول الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان واستغلال القضاء لقمع المعارضين.
يدعو مرصد الحرية لتونس يدعو إلى:
- الإفراج الفوري عن الموقوفين في هذه القضية.
- إسقاط التهم المبنية على شهادة واحدة متضاربة ومحجوبة.
- التحقيق في التجاوزات الإجرائية التي صاحبت الملف.
- دعوة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين لزيارة تونس.
- الضغط الدولي من أجل حماية مسار العدالة ووقف استعمال قوانين الإرهاب كأداة سياسية.