تعيش تونس مرحلة غير مسبوقة من الانتهاكات الحقوقية، حيث يتم توظيف القضاء لتصفية الخصوم السياسيين والتضييق على الحريات. في هذا السياق، صدر قرار قضائي بإحالة 11 معارضًا سياسيًا إلى الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب، في خطوة تعكس تطويع المرفق القضائي ومحاولة سجن أكبر عدد من المعارضين السياسيين في البلاد.
مزاعم تسليم جوازات سفر لأجانب بشكل غير قانوني
قررت دائرة الاتهام المختصة بقضايا الإرهاب بمحكمة الاستئناف في تونس، يوم الخميس 13 (فيفري) فبراير 2025، إحالة 11 متهماً، من بينهم رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، بالإضافة إلى معاذ الغنوشي نجل زعيم حركة النهضة، وعدد من الأجانب، إلى الدائرة الجنائية المكلفة بقضايا الإرهاب. وتمت هذه الإحالة ضمن تحقيقات حول شبهات افتعال جوازات سفر لأجانب مطلوبين في قضايا إرهابية.
وكان قاضي التحقيق قد أصدر سابقًا بطاقات إيداع بالسجن بحق نور الدين البحيري والمسؤول الأمني السابق فتحي البلدي، مع فرض قيود على تنقل حمادي الجبالي وثلاثة متهمين آخرين. كما تضمنت قائمة المتهمين معاذ الخريجي (خارج البلاد) وعددًا من الأجانب الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف مماثلة.
وقد أثارت هذه القضية جدلًا واسعًا بسبب التناقضات في التصريحات الرسمية والوثائق المسربة، والتي كشفت عن إخلالات قانونية واضحة.
ماذا تُظهر الوثائق الرسمية؟
أظهرت المستندات أن منح الجنسية التونسية لشخصين بارزين، المصري يوسف ندا والسوري علي غالب همت، تم بشكل قانوني سنة 1981، تحت إشراف الجهات المختصة، دون أي تدخل من البحيري. تضمنت الوثائق شهادات الجنسية والتصديقات الرسمية التي تثبت أن الإجراءات تمت وفق القانون، حيث أكدت المستندات أن يوسف ندا حصل على الجنسية التونسية بتاريخ 19 فبراير 1983 بموجب شهادة صادرة عن وزارة العدل، بينما صدر قرار منح الجنسية لعلي غالب همت بتاريخ 14 مارس 1983 عبر وثيقة رسمية صادرة عن رئيس مصلحة الجنسية بوزارة الخارجية.
اتهامات بلا أدلة واضحة
وجه وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين اتهامات مباشرة لكل من البحيري والبلدي تتعلق بمنح الجنسية وجوازات السفر بطريقة غير قانونية، لكن الوثائق الرسمية كشفت أن منح الجنسية تم وفق الإجراءات القانونية المتبعة، وبتصديق من جهات رسمية.
التناقضات الزمنية في الادعاءات
تظهر الوثائق أن يوسف ندا وعلي غالب همت تحصلا على الجنسية التونسية منذ الستينيات، أي قبل تولي البحيري أي منصب حكومي، كما أن جوازاتهما صدرت في الثمانينات، مما يضعف الادعاءات حول تدخل البحيري في منحها خلال فترة مسؤوليته (2011-2013).
غياب الإثباتات حول الشبهات الأمنية
ادعى وزير الداخلية وجود “شبهة إرهابية ومخاوف أمنية” دون تقديم أدلة ملموسة، مما يجعل الاتهامات غير مثبتة قضائيًا ويثير تساؤلات حول مصداقيتها ودوافعها السياسية.
دور السلطات الرسمية في منح الجنسية
أكدت الوثائق أن منح الجنسية تم بقرار رسمي من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وأن القنصليات التونسية في أوروبا تعاملت مع الأمر وفق الإجراءات القانونية المتبعة، مما يُضعف الادعاءات حول تدخل البحيري بشكل غير قانوني.
تسييس القضية واستغلالها في الصراع الداخلي
يبدو أن القضية استُخدمت كأداة في الصراع السياسي الداخلي، حيث تم اللجوء إلى حملات إعلامية وتصريحات رسمية بدلاً من تقديم أدلة قانونية.
الإخلالات القانونية في الملف
- توظيف قضايا الإرهاب لتبرير المحاكمات السياسية
- إدراج أسماء أجانب ضمن قائمة المتهمين يهدف إلى خلق رابط مصطنع بين المعارضين والإرهاب.
- لا توجد أدلة قانونية واضحة تثبت تورط المتهمين في أي أنشطة غير قانونية في تونس.
- غياب الأسس القانونية للمحاكمة
أ. انتهاك مبدأ قرينة البراءة
- يضمن القانون حق المتهم في أن يكون بريئًا حتى تثبت إدانته.
- إصدار بطاقات إيداع بالسجن دون استكمال التحقيقات يكشف عن منعطف سياسي للقضية وليس مسارا قانونيًا مستقلا.
ب. عدم كفاية الأدلة
- الوثائق الرسمية تثبت أن منح الجنسية وجوازات السفر تم وفق إجراءات قانونية سليمة ولا دخل للمتهمين فيها.
- لم تقدم النيابة العمومية أي مستندات تثبت تورط المتهمين في مخالفات قانونية.
- انتهاكات صارخة لحقوق الدفاع والمحاكمة العادلة
أ. ضغوط متزايدة على القضاة
- الضغوط السياسية التي تُمارس على القضاة جعلت المحاكم أداة لتصفية الخصوم.
- تحويل القضية إلى الدائرة المختصة بقضايا الإرهاب يعكس نية السلطة في إصدار أحكام مشددة دون أدلة حقيقية.
ب. حرمان المتهمين من حق الدفاع
- منع بعض المتهمين من التواصل مع محاميهم.
- عدم السماح لهم بالاطلاع الكامل على الأدلة المزعومة ضدهم.
توصيات مرصد الحرية لتونس:
يعتبر مرصد الحرية لتونس أن هذه القضية لا تعدو كونها محاكمة سياسية تهدف إلى احتجاز وسجن قيادات المعارضة، في محاولة لتقييد النشاط السياسي والتعبير عن الرأي.
كما يؤكد المرصد أن الأدلة المقدمة في هذه القضية غير كافية، مما يجعل التهم الموجهة للمعنيين باطلة من الناحية القانونية، ولا تستند إلى أي أسس قانونية متينة.
ويشير المرصد إلى أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، حيث تتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة، وتكرّس التضييق على الحريات في البلاد ويدعو إلى تحرك واسع يشمل عدة محاور:
أولًا، يطالب المرصد الهيئات الدولية بمتابعة المحاكمات الجارية ورصد مدى التزامها بالمعايير القانونية العادلة، لضمان عدم استخدامها كوسيلة لقمع الأصوات المعارضة.
كما يدعو إلى تكثيف الجهود والضغوط الدولية للإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، وضمان محاكمة عادلة تتماشى مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
وفي سبيل تحقيق العدالة، يحث المرصد على تقديم شكاوى أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى مخاطبة المنظمات الحقوقية الدولية لدعم هذه القضية وإدانة التجاوزات القانونية الحاصلة.
و يشدد المرصد على أهمية تكثيف الجهود الإعلامية لكشف هذه الانتهاكات وإثارة الرأي العام المحلي والدولي حول خطورة هذه الممارسات، بهدف وضع حد للملاحقات السياسية واستعادة مناخ الحريات في البلاد.
- الوثائق المعتمدة: تم الاعتماد على وثائق خاصة بموقع عربي 21