في انتهاك فجّ لكل المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، أصدرت الدائرة الجنائية الخامسة المختصة بقضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس فجر اليوم 19 أفريل 2025، سلسلة من الأحكام القضائية الجائرة في القضية المعروفة باسم “التآمر على أمن الدولة”، طالت شخصيات سياسية وحقوقية بارزة.
يأتي هذا التطور الكارثي ليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك استمرار انحراف السلطة القضائية تحت نظام الرئيس قيس سعيّد وتحويلها إلى أداة انتقام سياسي، مع تكريس ممارسات قمعية تذكر بأحلك الفترات الاستبدادية في تاريخ تونس المعاصر.
محاكمات مسيسة تحت ستار مكافحة الإرهاب
انطلقت هذه القضية منذ شهر فيفري 2023 بحملة إيقافات تعسفية استهدفت معارضين سياسيين، محامين، وإعلاميين، تحت تهم فضفاضة تتعلق بـ”التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”.
وبالرغم من الطابع السياسي الواضح للقضية، تعمدت السلطات القضائية والأمنية خرق كل الضمانات القانونية، مستندة إلى نصوص قانون مكافحة الإرهاب ومجلة الإجراءات الجزائية لتبرير الإيقافات الطويلة دون محاكمة عادلة، والمحاكمات عن بعد المفروضة قسرًا على المتهمين.
جلسة 18 أفريل 2025: انتهاك صارخ لحق الدفاع والمحاكمة العلنية
عرفت جلسة 18 أفريل خروقات جسيمة تمس بجوهر المحاكمة العادلة، أبرزها:
الإغلاق الأمني الكامل للمحكمة: تم حصار قصر العدالة أمنياً ومنع المواطنين، الصحفيين، وممثلي المجتمع المدني من حضور الجلسة، مع السماح فقط بدخول صحفية واحدة، في انتهاك صريح لمبدأ العلنية.
التضييق على المحامين: فرضت السلطات الأمنية إجراءات استثنائية على المحامين وصلت إلى حد مطالبتهم بالاستظهار بهوياتهم، ومنع بعضهم من دخول القاعة، بما في ذلك أعضاء من عمادة المحامين وأساتذة جامعيون.
رفض استنطاق المتهمين: لم يتم استنطاق أي من المتهمين الحاضرين بحالة سراح، ولا الموقوفين الذين رفضوا المثول عن بعد، في خرق واضح لحق الدفاع والاستماع.
تعجيل مريب بالمفاوضة والحكم: أعلن رئيس الجلسة عن دخول المحكمة للمفاوضة والتصريح بالحكم بعد أقل من 30 ثانية فقط من رفض مطالب الدفاع بالتأجيل، بما يمثل شكلاً فاضحًا من المحاكمات الصورية غير النزيهة.
الإصرار على المحاكمة رغم الطعون: تجاهلت المحكمة وجود طعون قانونية معلقة أمام محكمة التعقيب بخصوص قرارات الإحالة، رغم تقديم الدفاع ما يثبت أن القضية “لا تزال على بساط النشر”، مما يجعل الحكم الصادر فاقدًا لأي مشروعية قانونية.
موقف هيئة الدفاع: إعلان قاطع عن انعدام شروط العدالة
في بيان أصدرته يوم 18 أفريل، وصفت هيئة الدفاع ما جرى بأنه “وصمة عار” في تاريخ القضاء التونسي، معتبرة أن:
المحكمة فقدت استقلاليتها وتحولت إلى أداة تنفيذ لإرادة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية.
الجلسة انتهكت كافة معايير المحاكمة العادلة بما في ذلك العلنية، الاستماع للمتهمين، احترام حقوق الدفاع، وحياد المحكمة.
قرار المحاكمة عن بعد كان يهدف للتغطية على التجاوزات الأمنية وتزييف الأدلة، خاصة مع ضلوع شهود محجوبين الهوية تبينت خصومتهم للمتهمين.
الأحكام المنتظرة فقدت أي شرعية باعتبار تعهد محكمة التعقيب بالملف، وهو ما يسقط قانونيًا حق الدائرة الجنائية الحالية في التصرف فيه.
الأحكام الابتدائية الصادرة: عقوبات قاسية بدون محاكمة عادلة
أصدرت المحكمة أحكامًا مشددة تراوحت بين 4 سنوات و66 سنة سجنا، وفق توزيع غاب فيه كل معيار للعدالة (القائمة كاملة في ختام المقال):
أحكام قصوى بحق أبرز الموقوفين: كمال لطيف (66 سنة)، خيام التركي (48 سنة)، نور الدين البحيري (43 سنة).
أحكام بالسجن بين 13 و18 سنة ضد وجوه سياسية معروفة كعصام الشابي، جوهر بن مبارك، غازي الشواشي، رضا بالحاج، شيماء عيسى وغيرهم.
أحكام بـ33 سنة سجنا ضد متهمين غيابيًا، في أحكام قصوى مشوبة بالغرابة وغير المسبوقة.
عدم استحضار العناصر الفعلية لأي مؤامرة: رغم ثقل التهم، لم يتم تقديم أدلة ملموسة تدعم الرواية الرسمية، فيما اعتُمدت وثائق مشبوهة ومزاعم غير مؤكدة.
انهيار كامل لمعايير المحاكمة العادلة
ما جرى يوم 18-19 أفريل يشكل انتهاكًا ممنهجًا لكافة المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة التي كرستها:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14): خاصة ما يتعلق بالحق في جلسة علنية، الحق في استجواب الشهود، الحق في محاكمة أمام محكمة مستقلة ومحايدة.
مبادئ الأمم المتحدة بشأن دور القضاة والمحامين: التي تنص على وجوب حماية القضاة من أي ضغوط سياسية.
المعايير الإفريقية والعربية لحقوق الإنسان: التي تشدد على الحق في الدفاع والحماية من المحاكمات الصورية.
تؤكد طبيعة الإجراءات والأحكام أن المحاكمة لم تكن تهدف لتحقيق العدالة بقدر ما كانت جزءًا من حملة منظمة لتصفية الخصوم السياسيين عبر استخدام القضاء كوسيلة قمعية.
أمام هذا التصعيد الخطير، يدعو مرصد الحرية لتونس إلى:
الإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المعتقلين تعسفيًا في هذه القضية.
وقف العمل بالمحاكمات عن بعد وضمان حق الحضور المادي أمام القاضي الطبيعي.
ضمان علنية الجلسات وفتحها أمام الصحافة وممثلي المجتمع المدني.
التحقيق الفوري والمستقل في الانتهاكات المسجلة خلال سير المحاكمة.
- مطالبة الهيئات الأممية والإقليمية بإرسال بعثات مراقبة للتحقيق في تدهور استقلال القضاء في تونس.
إنّ ما شهدته تونس ليلة 18-19 أفريل 2025 من انتهاكات صارخة لحق الدفاع، وتلاعب فجّ بالإجراءات القضائية، وصدور أحكام قاسية في غياب محاكمة عادلة، لا يمثل مجرد انحراف عن مسار العدالة، بل هو جريمة دولة مكتملة الأركان بحق الدستور والمعاهدات الدولية التي التزمت بها تونس.
يحذر مرصد الحرية لتونس من أن استمرار هذه المحاكمات الصورية، وما صاحبها من قمع سياسي ممنهج، يهدد بتقويض كامل للثقة في مؤسسة القضاء ويعمّق مسار الانهيار الديمقراطي الذي تعيشه البلاد تحت سلطة الرئيس قيس سعيّد.
وعليه، يحمّل مرصد الحرية لتونس السلطات التونسية كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الانتهاكات المرتكبة، ويدعو الهيئات الأممية والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان إلى التحرك العاجل من أجل:
وقف الانحدار نحو ديكتاتورية قضائية شاملة.
ضمان المحاسبة الفورية للمسؤولين عن تزوير العدالة.
حماية الحريات الأساسية للشعب التونسي من الانتهاك الممنهج.
الرقم | الاسم الكامل | الحالة | الحكم |
---|---|---|---|
1 | كمال بن يوسف بن سليمان اللطيف | موقوف | 66 عامًا |
2 | محمد بن إبراهيم بن مصطفى التركي | موقوف | 48 عامًا |
3 | نور الدين بن عبد الله بن سالم البحيري | موقوف | 43 عامًا |
4 | عصام بن عبد الرزاق بن أحمد الشابي | موقوف | 18 عامًا |
5 | جوهر بن عز الدين بن محمد الصحبي بن مبارك | موقوف | 18 عامًا |
6 | غازي بن محمد الهادي الشواشي | موقوف | 18 عامًا |
7 | رضا بن محمد رضا بالحاج | موقوف | 18 عامًا |
8 | عبد الحميد بن القادر بن محمد الجلاصي | موقوف | 13 عامًا |
9 | محمد بن محمد بن ضو حطاب سلامة | موقوف | 4 سنوات |
10 | محمد بن أحمد العكرمي | سراح | 8 سنوات |
11 | شكري بن منجي بن حسن بحرية | سراح | 13 عامًا |
12 | محمد الأزهر المحجوب | سراح | 8 سنوات |
13 | نور الدين بن يونس بوطار (صاحب إذاعة) | سراح | 10 سنوات |
14 | شيماء عيسى | سراح | 18 عامًا |
15 | رياض محجوب عماد الشعيبي | سراح | شطب اسمه لوجود طعن بالتعقيب |
16 | محمد المبروك الحامدي | سراح | 13 عامًا |
17 | محمد البشير اليدوي | سراح | 13 عامًا |
18 | رضا علي الجيلاني شرف الدين | موقوف غيابيًا | 16 عامًا |
19 | صحبي سالم عتيق | موقوف غيابيًا | 13 عامًا |
20 | السيد محمد الفرجاني | موقوف غيابيًا | 13 عامًا |
21 | كمال بشير البدوي | موقوف غيابيًا | 13 عامًا |
22 | محمد رؤوف البوراوي الخلفاوي | موقوف غيابيًا | 13 عامًا |
23 | علي محجوب محمد الصالحي | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
24 | حمزة محمد رضا علي المؤدب | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
25 | منجي العربي الذوادي | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
26 | كمال سعيد الڨيزاني | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
27 | رضا محمد ادريس | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
28 | مصطفى كمال الحاج علي النابلي | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
29 | محمد كمال حسونة عمارة الجندوبي | فرار | شطب اسمه لوجود طعن بالتعقيب |
30 | نور الدين حامد بالقاسم بن تيشة | فرار | شطب اسمه لوجود طعن بالتعقيب |
31 | كوثر محمد الكامل عمارة الدعاسي | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
32 | محمد عبد الرؤوف عبد الرحمان محمد الوصيف خلف الله | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
33 | عبد المجيد عمر الطاهر الزار | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
34 | تسنيم راشد محمد الخريجي | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
35 | نادية أمين حطاب بن مكاني عكاشة | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
36 | كريم فريد لوران بن محمد القلالي | سراح | 25 عامًا |
37 | رفيق عبد الرحمان الشعبوني | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
38 | نجلاء خليفة اللطيف | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
39 | بشرى بالحاج حميدة | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |
40 | برنار هنري ليفي (فرنسي الجنسية) | فرار | 33 عامًا مع النفاذ العاجل |