تونس، 25 فيفري (فبراير) 2025) – أيدت الدائرة الجزائية لدى محكمة التعقيب الحكم الاستئنافي القاضي بسجن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي لمدة خمسة عشر شهرًا، مع إخضاعه للمراقبة الإدارية لمدة ثلاثة أعوام، مما يجعل هذا الحكم نهائيًا وغير قابل للطعن.
تفاصيل القضية: محاكمة بسبب تصريحات سياسية
في 15 ماي (مايو) 2023، أصدرت المحكمة حكمًا ابتدائيا بالسجن لمدة عام وغرامة مالية ضد راشد الغنوشي (83 سنة)، وذلك على خلفية تصريحاته خلال جنازة عضو مجلس الشورى فرحات العبار في فيفري (فبراير) 2022، حيث وصف الفقيد بأنه “كان شجاعاً لا يخشى فقراً ولا حاكماً ولا طاغوتاً، ولا يخشى إلا الله”. اعتبرت السلطات هذه التصريحات تمجيدًا للإرهاب وتحريضا، مما أدى إلى محاكمته بموجب النقطة الثامنة من الفصل 14 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال:
الفصل 14 – يعد مرتكبا لجريمة إرهابية كل من يرتكب فعلا من الأفعال الآتية :
ثامنا: التكفير أو الدعوة إليه أو التحريض على الكراهية أو التباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب أو الدعوة إليهما.
وفي أكتوبر 2023، تم تغليظ العقوبة في الاستئناف إلى 15 شهرًا سجنًا، مع غرامة مالية قدرها 1000 دينار (نحو 333 دولارا) ومراقبة إدارية (أمنية) لمدة ثلاث سنوات.
وقد انتقدت منظمة العفو الدولية هذا الحكم سابقا، معتبرةً أنه جزء من تصعيد حملة القمع ضد المعارضة في تونس. وصرّحت راوية راجح، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالنيابة في المنظمة، بأن السلطات التونسية تستغل قوانين ذات صياغة مبهمة كذريعة لاعتقال المعارضين وقمعهم، مشيرةً إلى أن الحكم على الغنوشي يعكس تطورا مقلقًا من التراجع في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير.
وأضافت المنظمة أن الحكم على زعيم أكبر حزب سياسي في تونس استنادًا إلى تصريحات علنية أدلى بها قبل أكثر من عام، يبرز الطبيعة السياسية لهذه المحاكمة. كما لفتت إلى أن الغنوشي يواجه تحقيقات أخرى في قضايا جنائية، لكن هذا الحكم هو الأول من نوعه ضده منذ ثورة 2011.
استمرار استهداف المعارضين السياسيين عبر القضاء
لا يخرج هذا الحكم عن سياق الملاحقات القضائية التي تستهدف المعارضين السياسيين والمنتقدين للسلطة، حيث كثّفت السلطات التونسية من استخدام قوانين مكافحة الإرهاب كأداة لملاحقة الأصوات المعارضة، ما أثار قلقًا دوليًا متزايدًا بشأن تدهور حقوق الإنسان والحريات في البلاد.
ويواجه راشد الغنوشي رئيس البرلمان السابق تسع قضايا لم يتم البت في اغلبها ولكنها تحمل في مُجملها تهما سياسية أو زائفة.
دعوة لضمان محاكمة عادلة ووقف المحاكمات السياسية
يعتبر مرصد الحرية لتونس أن هذه المحاكمة تندرج في إطار سياسة منهجية لاستهداف رموز المعارضة السياسية عبر القضاء، حيث أصبحت التهم المتعلقة بـالتحريض تحت قانون مكافحة الارهاب أداة تستخدم لإقصاء المعارضين والزج بهم في السجون.
كما يعرب المرصد عن مخاوفه من أن يكون هذا الحكم خطوة جديدة نحو مزيد من التضييق على حرية التعبير والعمل السياسي السلمي في البلاد، خاصة وأن التهمة الموجهة إلى الغنوشي اعتمدت على تأويلات فضفاضة لعبارات دينية أثناء مراسم دينية.
بناءً على هذه التطورات، يدعو مرصد الحرية لتونس إلى:
- مراجعة هذه الأحكام التي تفتقر إلى الضمانات الحقيقية للمحاكمة العادلة، والتي تستند إلى اتهامات مبنية على تأويلات سياسية.
- وقف استخدام القضاء كأداة لتصفية الخصوم السياسيين، وضمان استقلاليته بعيدًا عن التوجيهات السياسية.
- إلغاء عقوبة المراقبة الإدارية، التي تعتبر وسيلة إضافية لتقييد حرية الغنوشي بعد قضاء مدة العقوبة.
- حماية حرية التعبير والحق في النشاط السياسي السلمي دون تهديد بالملاحقات القضائية.
تسييس القضاء يهدد المسار الديمقراطي
إن الإبقاء على الأحكام المشددة ضد المعارضين السياسيين، خاصة في ظل مناخ سياسي متوتر، يعزز الشكوك حول نزاهة القضاء ويؤكد أن المحاكمات أصبحت أداة سياسية بامتياز. لذلك، يدعو مرصد الحرية لتونس المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى متابعة هذه القضية، والعمل من أجل إنهاء المحاكمات الانتقائية التي تستهدف المعارضين والنشطاء السياسيين في تونس.