16 ديسمبر (كانون الأول) 2025 – قرّرت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس، حجز ملف القضية المعروفة إعلاميًا بقضية جمعية “تونس أرض اللجوء”، وذلك إثر الجلسة للنظر في مطالب الإفراج المقدّمة من هيئة الدفاع، مع تحديد موعد لاحق للجلسة القادمة.
وقد مثل خلال الجلسة عدد من المتهمين بحالة إيقاف، من بينهم رئيسة الجمعية شريفة الرياحي، إلى جانب محمد جوعو وإيمان الورداني وإقبال خالد وعياض بوسالمي، إضافة إلى متهمين آخرين بحالة سراح، في قضية وُجّهت فيها تهم تتعلّق بشبهة غسل الأموال في علاقة بأنشطة مرتبطة بتوطين ودعم مهاجرين وطالبي لجوء من إفريقيا جنوب الصحراء.
عرض الوقائع:
انعفدت جلسة يوم أمس في سياق مسار قضائي متواصل منذ أكثر من سنة ونصف، شهد تكرار تأجيل الجلسات ورفض مطالب الإفراج، رغم تقدّم الأبحاث وغياب مستجدات جوهرية من شأنها تبرير الإبقاء على المتهمين رهن الإيقاف. ويسجّل مرصد الحرية لتونس أن قرار رفض مطالب الإفراج يُبقي وضعية الموقوفين معلّقة، ويُمدّد عمليًا في الإيقاف التحفظي الذي تحوّل، بحكم المدة إلى عقوبة غير معلنة.
خلفية القضية:
تعود هذه القضية إلى حملة قضائية وأمنية انطلقت منذ سنة 2024، استهدفت جمعيات ومنظمات ناشطة في مجال دعم المهاجرين واللاجئين، في سياق سياسي اتّسم بتصعيد الخطاب الرسمي بتوجيهات من رئيس الجمهورية نفسه وربط الهجرة غير النظامية بتهديدات أمنية وديموغرافية مُحتملة. وقد شملت هذه التتبّعات عدة جمعيات، من بينها “تونس أرض اللجوء”، وهي منظمة معروفة بنشاطها الإنساني والقانوني لفائدة طالبي اللجوء، بالشراكة مع منظمات دولية وهيئات أممية.
وسبق لمنظمات حقوقية دولية، من بينها منظمة العفو الدولية، أن عبّرت عن قلقها من الطابع التعسفي لهذه التتبّعات، واعتبرتها جزءًا من سياسة أوسع لتجريم العمل الإنساني واستهداف المدافعين عن حقوق المهاجرين واللاجئين في تونس.
حفظ الدعوى وبقاء الأفراد رهن الإيقاف:
يسجّل مرصد الحرية لتونس، بقلق بالغ، مفارقة قانونية خطيرة تتجلّى في هذا الملف، تتمثّل في تداول معطيات قضائية تفيد عمليًا بانتفاء الأساس القانوني للتتبعات ضد الجمعية ذاتها، في مقابل الإبقاء على موظفيها ونشطائها رهن الإيقاف منذ أكثر من 580 يومًا. ويعكس هذا الوضع خللًا جوهريًا في منطق العدالة، إذ يُواصل الأفراد الذين اشتغلوا في إطار قانوني معترف به تحمّل تبعات جزائية ثقيلة، رغم انتفاء الأساس والادعاءات التي بُنيت عليها عليها التتبّعات الأصلية.
الانتهاكات والبعد الإنساني:
إلى جانب الإشكاليات القانونية، يشير مرصد الحرية لتونس الى وجود انتهاكات جسيمة طالت الموقوفين، وعلى رأسهم شريفة الرياحي، التي حُرمت لفترات طويلة من حقّها في إرضاع ابنتها، في انتهاك صارخ لحقوق الأم والطفل ولمقتضيات القواعد الدنيا لمعاملة السجناء والمعايير الدولية ذات الصلة. كما يشير المرصد إلى الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة للإيقاف المطوّل على الموقوفين وعائلاتهم، دون مبرّر قضائي مشروع.
موقف المرصد:
يؤكد مرصد الحرية لتونس أن مواصلة الإيقاف التحفظي في هذه القضية، في ظل غياب أحكام نهائية وانتفاء الأساس القانوني للتتبّعات، يُمثّل إخلالًا جسيمًا بضمانات المحاكمة العادلة، ويكرّس انحرافًا خطيرًا باجراء الإيقاف التحفظي عبر توظيفه كأداة ضغط وعقاب.
ويرى المرصد أن هذا المسار يُقوّض مبدأ الشرعية الجزائية، ويؤدي عمليًا إلى إيقاف تعسفي لا يقوم على المسؤولية الفردية، بل على توجيهات سياسية حولت الإيقاف التحفظي من طابعه الاستثنائي إلى عقوبة غير مباشرة.
ويطالب مرصد الحرية لتونس بـ:
-الإفراج الفوري عن شريفة الرياحي وبقية الموقوفين في قضية “تونس أرض اللجوء”، أو على الأقل محاكمتهم في حالة سراح.
-وضع حدّ لاستعمال تهم غسل الأموال لتجريم العمل الإنساني المشروع.
-احترام حقوق الأمهات والأطفال داخل أماكن الاحتجاز، وضمان المعاملة الإنسانية للموقوفين.
-الكف عن استهداف الجمعيات والناشطين في مجال الهجرة واللجوء، وضمان حرية العمل المدني والإنساني.
-تحمّل الدولة لمسؤولياتها القانونية والدستورية في حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
ويجدّد مرصد الحرية لتونس تضامنه الكامل مع شريفة الرياحي ومحمد جوعو وإيمان الورداني وإقبال خالد وعياض بوسالمي، ويؤكد أنه سيواصل متابعة هذا الملف إلى حين إنهاء جميع التتبّعات ووضع حدّ لهذه المظلمة.




