Skip links

أنستالينغو: حجز الملف للنظر في مطالب الإفراج وتأجيل محاكمة عشرات المتهمين في واحدة من أثقل القضايا السياسية

02 ديسمبر (كانون الأول) 2025 – قرّرت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بتونس، اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر 2025، حجز ملف ما يُعرف بقضية «إنستالينغو 1» للنظر في مطالب الإفراج المقدّمة من هيئة الدفاع، مع تأجيل البت في أصل القضية وتحديد موعد لاحق لمحاكمة المتّهمين. وشملت الجلسة جلب عدد من الموقوفين، من بينهم الناطق الرسمي الأسبق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي، ووزير الاستثمار الأسبق رياض بالطيب، وعدة مدونين والصحفية شذى الحاج مبارك وأمين مال جمعية «نماء تونس» عبد الكريم سليمان، في حين امتنع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن الحضور، وتغيّب متّهمان محالان في حالة سراح بدعوى عدم التوصل بالاستدعاء.

تأتي هذه الجلسة كأولى مراحل الاستئناف في ملف ثقيل صدر فيه، بتاريخ 05 فيفري 2025، حكم ابتدائي عن الدائرة الجنائية الثانية بالمحكمة الابتدائية بتونس في حق 41 متهمًا، من بينهم 17 موقوفًا، بعقوبات تراوحت بين 5 و54 سنة سجنًا مع خطايا مالية ومصادرة أملاك، في واحدة من أقسى الأحكام التي شهدها القضاء التونسي في قضايا ذات طابع سياسي وإعلامي منذ 2021.

خلفية القضية:

تعود بداية الملف إلى 10 سبتمبر 2021 حين تمّت مداهمة مقر شركة «إنستالينغو» المنتصبة بالقلعة الكبرى بسوسة، وهي شركة تعمل في مجال صناعة المحتوى والترجمة والاتصال الرقمي. وتم حينها حجز تجهيزات إعلامية وفتح بحث جزائي على خلفية شبهات تعلقت بـ«الاعتداء على أمن الدولة» و«تبييض الأموال» و«الإساءة إلى الغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي». انطلقت الأبحاث لدى المحكمة الابتدائية بسوسة قبل أن يتخلى قاضي التحقيق عن الملف لفائدة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، ثم يُحال لاحقًا إلى المحكمة الابتدائية بتونس.

وتطوّر الملف ليشمل عشرات المتهمين من خلفيات مختلفة، من بينهم شخصيات سياسية بارزة (على غرار راشد الغنوشي ورفيق عبد السلام وهشام المشيشي والسيد الفرجاني)، ومسؤولين أمنيين سابقين (مثل لزهر لونغو ومحمد علي العروي)، وأصحاب الشركة وأفرادًا من عائلتهم، إلى جانب صحفيين ومدونين من بينهم شذى الحاج مبارك، شهرزاد عكاشة، سليم الجبالي وأشرف بربوش. وقد قُسّم الملف عمليًا إلى مسارات متوازية، أبرزها «إنستالينغو 1» موضوع الأحكام الصادرة في فيفري 2025 والمتصلة أساسًا بتهم التآمر على أمن الدولة وتغيير هيئة الدولة ونسبة أمر موحش لرئيس الجمهورية استنادًا إلى فصول من المجلة الجزائية وقانون مكافحة الإرهاب، في حين ظلّت ملفات أخرى ذات بعد مالي أو متعلق بغسل الأموال قيد التحقيق أمام الأقطاب المختصة.

أحكام ابتدائية قاسية:

أدان القرار الابتدائي الصادر في 05 فيفري 2025  حوالي41 متهمًا بعقوبات غير مسبوقة، شملت 54 سنة سجنًا لأحد مالكي الشركة، وعقوبات بين 22 و35 سنة لعدد من السياسيين، وأحكامًا بين 5 و27 سنة ضد صحفيين ومدونين، من بينهم حكم بخمس سنوات سجن ضد الصحفية شذى الحاج مبارك. وقد اعتبرت هيئة الدفاع وعدة منظمات حقوقية أن الأحكام «جائرة ومسيّسة»، وأن التكييف القانوني اعتمد فصولًا ثقيلة من قانون العقوبات وقانون الإرهاب على خلفية نشاط إعلامي ورقمي لا يرقى إلى مستوى أعمال عنف أو تخطيط فعلي للمساس بأمن الدولة.

وتؤكد مرافعات الدفاع أنّ العديد من المتهمين لم يُواجهوا بأفعال مادية محددة، وأنّ الأسئلة الموجهة لبعضهم—وخاصة الصحفيين—ظلّت عامة وذات طابع سياسي، مع غياب أدلة تقنية واضحة تربط المحتوى الرقمي بأفعال إجرامية واقعية، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول احترام معايير المحاكمة العادلة ومبدأ التناسب بين الأفعال المزعومة والعقوبات المسلطة.

الوضع الصحي لشذى الحاج مبارك والسيد الفرجاني كوجه بارز لاختلالات الملف:

تُعدّ حالة الصحفية شذى الحاج مبارك مثالًا صارخًا لتداعيات هذا الملف على المستوى الإنساني، حيث بدأت ملاحقتها منذ 2021 على خلفية عملها داخل شركة «إنستالينغو» في مهام تدقيق لغوي، قبل أن تتعرض لمسار قضائي متعرّج شمل قرارًا أوليًا بحفظ التهم من قاضي التحقيق، ثم نقض ذلك القرار من دائرة الاتهام، وإصدار بطاقة إيداع في حقها في جويلية 2023، لتُسجن أولًا في سجن المسعدين ثم تُنقل إلى سجن بلي بعد تدهور حالتها الصحية. وتعاني شذى من أمراض في الكليتين ومشاكل في السمع وأوجاع مزمنة على مستوى العمود الفقري والمفاصل، إلى جانب اضطرابات في العينين والجهاز الهضمي جعلتها غير قادرة على تحمّل عدد من الأدوية، ودفعتها إلى خوض إضرابات متكررة عن الطعام احتجاجًا على ظروف احتجازها وسوء الرعاية الصحية.

كما يخوض السيد الفرجاني القيادي بحركة النهضة اضراب جوع وحشي منذ ايام تسبب في تدهور وضعه الصحي٬ احتجاجًا على منعه من محاكمة حضورية تتوفر فيها ضمانات الدفاع والمحاكمة العادلة. وقد ظهر خلال جلسة (التآمر على أمن الدولة 1) -وهي قضية أخرى يُحاكم فيها- التي حضرها عن بُعد عاجزًا عن الوقوف، حيث عاينت المحكمة بنفسها تدهور وضعه الصحي وعدم قدرته على متابعة مجريات المحاكمة.

تفاصيل الأحكام الابتدائية عبر الرابط التالي:

موقف المرصد:

يرى مرصد الحرية لتونس أنّ ملف «إنستالينغو 1» أصبح رمزًا لتوسع خطير في استعمال فصول التآمر والأمن القومي وقانون مكافحة الإرهاب في قضايا ذات بعد سياسي وإعلامي، وبناءً على تهم فضفاضة تتصل بالمحتوى الرقمي والاتصال. كما يعتبر المرصد أنّ الأحكام الابتدائية الصادرة في فيفري 2025 غير متناسبة مع الأفعال المنسوبة، وأنها تعكس توجّهًا عامًا نحو استعمال القضاء الجنائي كأداة للردع في مواجهة المعارضة السياسية والإعلام المستقل.

ويؤكد المرصد أنّ مرحلة الاستئناف تمثّل فرصة لإعادة تقييم الملف في ضوء معايير المحاكمة العادلة، بما في ذلك تمكين الدفاع من كل حقوقه، والتدقيق في سلامة إجراءات التحقيق، ومراجعة التكييف القانوني للتهم، خاصة بالنسبة للصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي. كما يذكّر بأنّ وضعية شذى الحاج مبارك الصحية تستوجب تعاملاً عاجلاً ومسؤولاً من الجهات القضائية والإدارية، وأن استمرار احتجازها في ظروف تهدد حياتها يتعارض مع التزامات تونس الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان.

 يطالب مرصد الحرية لتونس بـ:

– الإفراج الفوري عن شذى الحاج مبارك والسيد الفرجاني وجميع الموقوفين، وتمكينهم من المحاكمة في حالة سراح.
– مراجعة الأحكام الابتدائية في ملف «إنستالينغو 1» على أساس معايير التناسب والمحاكمة العادلة، وإلغاء التتبعات التي تستند إلى نشاط إعلامي أو تعبيري سلمي.
– وقف استعمال فصول التآمر وقانون مكافحة الإرهاب في القضايا ذات الطابع الإعلامي والسياسي، وضمان عدم توظيف القضاء لتصفية الخصومات السياسية.
– فتح تحقيق مستقل في شبهات سوء المعاملة والإهمال الطبي داخل السجون، خاصة في ما يتعلق بحالة شذى الحاج مبارك.

شارك

المزيد من المقالات

تأجيل محاكمة عبير موسي في ملفّ “مكتب الضبط” وقضية أخرى أمام الإستئناف

06 ديسمبر (كانون الأول) 2025 – قررت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس، تأخير النظر في القضية المتعلقة بما يُعرف بملف “مكتب الضبط برئاسة الجمهورية”، والمتهم فيها كل من رئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي والقيادية مريم الساسي المثيلة بحالة سراح. وقد تمّ حجز الملف للتداول على أن يُحدَّد موعد لاحق للجلسة القادمة.

كما قررت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بتونس تأخير القضية الثانية المنشورة ضد عبير موسي إلى جلسة يوم 30 ديسمبر 2025، وذلك إثر تعذّر حضورها وبطلب من النيابة العمومية…

الإبقاء على الممثلة ليلى الشابي بحالة سراح في إطار تتبّع بمقتضى المرسوم 54 بسبب مقطع فيديو

04 ديسمبر (كانون الأول) 2025 – مثلت الفنانة ليلى الشابي يوم أمس أمام فرقة الأبحاث في الجرائم الإلكترونية بالحرس الوطني بالعوينة، وذلك على خلفية مقطع فيديو تحدّثت فيه عن أوضاع عدد من المودعين في قضايا “التآمر على أمن الدولة”. وقد تمّ سماعها في إطار بحث أولي دون اتخاذ أي قرار بإيقافها، مع إبقائها بحالة سراح إلى حين استكمال الإجراءات…

محكمة الإستئناف تحيل سمير جيّاب على الدائرة الجنائية للفساد المالي وتُبقي عليه في حالة إيقاف

04 ديسمبر (كانون الأول) 2025 – قررت دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي لدى محكمة الاستئناف بتونس إحالة رجل الأعمال سمير جيّاب على الدائرة الجنائية لقضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس، مع الإبقاء عليه تحت مفعول بطاقة الإيداع بالسجن الصادرة في حقه. وتأتي هذه الإحالة بعد نظر دائرة الاتهام في ملف أحيل إليها من القطب القضائي الاقتصادي والمالي، تضمن تهمًا متصلة بغسيل الأموال واستغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة غير مشروعة، والإضرار بالإدارة، ومخالفة التراتيب المالية المنطبقة على العمليات موضوع التتبع…

بعد 34 شهرًا من الإعتقال: الإستئناف يحجز الملف للمداولة ويؤجل النظر في قضيــة حطاب بن عثمان

04 ديسمبر (كانون الأول) 2025 – عقدت محكمة الاستئناف بتونس جلسة جديدة في القضية المتعلقة بالرئيس السابق لنقابة أعوان العدلية، حطاب بن عثمان، إلى جانب عدد من أعضاء المكتب التنفيذي السابق للنقابة. وقد خُصّصت الجلسة للنظر في طلبات الإفراج المقدّمة من هيئة الدفاع، لتقرّر المحكمة حجز الملف للمداولة وتأجيل القضية إلى موعد لاحق، ضمن مسار قضائي تتقاطع فيه تهم مالية وعقارية وإدارية مع شقّ آخر قيد النظر أمام القضاء المختص في القضايا الإرهابية..

نداء إلى العمل من أجل حقوق الإنسان في تونس

عريضة الموقع: الحرية لمعتقلي الرأي والنشطاء في تونس !

‎لم تعد تونس الاستثناء العربي الوحيد الذي أشعل فتيل الثورات في العالم سنة 2011 بثورة بطولية أطاحت بحكم زين العابدين بن علي، الذي ظل مستمرا لمدة تناهز 23 سنة بعد استيلاءه على السلطة في 7 نوفمبر 1987 خلفا للحبيب بورقيبة.

في خطوة مماثلة وربما أكثر خطورة، أقدم الرئيس التونسي قيس سعيد ليلة 25 يوليو 2021 على القيام “بانقلاب دستوري” وفقا لتأويله الشخصي للفصل 80 من دستور الثورة 2014 مُعلنا اتخاذه مجموعة من الإجراءات الاستثنائية بسبب “خطر داهم” يهدد البلاد التونسية دون تقديم أي تفاصيل وأسباب الى حدّ كتابة هذه الأسطر.

وبموجب تلك الإجراءات قرر سعيّد عزل الحكومة ورئيسها “هشام المشيشي” الذي كان حاضرا في اجتماع مجلس الأمن القومي تلك الليلة بقصر قرطاج، وزعم أنه اتصل برئيس البرلمان راشد الغنوشي (زعيم حزب حركة النهضة) للتشاور معه وفق ما يمليه الدستور، الأمر الذي نفاه الغنوشي مؤكدا انه اتصال عادي لم يتضمن أي مشاورات أو حديث حول فحوى الإجراءات الاستثنائية، وقام الرئيس بتجميد أعمال البرلمان ثم حله في مارس/ آذار 2022.

ولم يكتف الرئيس سعيّد بتجاوز صلاحياته وفصول الدستور التي أقسم على الحفاظ عليه أمام مجلس نواب الشعب بل وقام بتغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء واعتبره “وظيفة” وليس سلطة مستقلة بذاتها وقام أيضا بتغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تحضيرا لمراحل انتخابية عقدها لفائدة تغيير دستور كتبه بنفسه وألغى آراء اللجان الاستشارية التي عينها بنفسه أيضا. ثم نظم انتخابات تشريعية على دورتين لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 8% من مجموع الناخيبن وتداركت هيئة الانتخابات الاحصائيات فيما بعد لتعلن أنها وصلت لـ11 %وهو الرقم الأدنى عالميا ومحليا.

بتاريخ 11 فبراير/شباط شن نظام الرئيس سعيد حملة اعتقالات لم تتوقف، شملت نشطاء سياسيين ورجال أعمال واعلاميين وصحفيين وقضاة وموظفين سامين في الدولة تحت عنوان “التآمر على أمن الدولة وارتكاب فعل موحش ضد رئيس الجمهورية” إضافة لتهم أخرى تم إحالتها على النيابة العسكرية ما يطرح أسئلة حول مدى تدخل الجيش التونسي في الإجراءات التي قام بها الرئيس سعيد.

وقد شابت عمليات الاعتقال التعسفي عدة خروقات وإخلالات إجرائية وسط تحذيرات من المنظمات والمراصد الدولية الناشطة بمجال حقوق الانسان ولم يتم احترام معايير التقاضي والإقامة السجنية وطالت الملاحقات في بعض الأحيان عائلات الضحايا وأسرهم ووظائفهم ولم يتم إثبات أي تهم أو وقائع منسوبة للمتهمين.

كما تتعرض النقابات والأحزاب السياسية لمضايقات مستمرة ولم يتوقف الرئيس سعيد عن اتهام كافة الأجسام الوسيطة بمختلف أنواعها “بالعمالة” أو “الخيانة” ولم تسلم المنظمات والجمعيات من الملاحقات والاعتقالات التعسفية والحرمان من التمثيل القانوني وسط ارتفاع وتيرة العنف في المجتمع بسبب تبني السلطات خطابات وشعارات عنصرية وتمييزية محرضة على الاقتتال وانتهاك الكرامة الإنسانية.

على ضوء كل ما تقدمنا به من أسباب نحن الموقعون أسفله نطالب:

أولا: بالدعوة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فوراً ودون قيد أو شرط كما نحثَ السلطات التونسية على احترام التزاماتها الدولية والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان التي صادقت عليها.

ثانيا: ندعو من السلطات التونسية أن توقف نزيف نسف الديمقراطية الناشئة والمحاكمات الجائرة والملاحقات المستمرة ضد خصوم النظام السياسيين وكل من ينتقده بالرأي او الكلمة او التعبير.

ثالثا: ندعو كل النشطاء والمتابعين للانخراط في المسار الوطني والدولي لإعادة الديمقراطية وإنهاء الحكم الفردي الذي عاد بتونس لسنوات الاستبداد والظلم وانتهاك الحقوق والحريات.