يدعو مرصد الحرية لتونس السلطات التونسية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المحامي والسياسي والقيادي بالنهضة نور الدين البحيري، الذي تدهورت حالته الصحية بشكل خطير بسبب التعذيب والاحتجاز القسري الذي تعرض له أثناء اعتقاله أواخر شهر ديسمبر 2021.
تعذيب وإهمال طبي ممنهج:
تم يوم الاثنين 10 فيفري (فبراير) 2025 نقل نور الدين البحيري إلى مستشفى الرابطة لإجراء سلسلة من الفحوصات والتحاليل الطبية بعد تفاقم صعوبات التنفس التي يعاني منها، والتي تعود إلى تمزق في غشاء الرئة اليسرى ناتج عن الاعتداء العنيف الذي تعرض له أثناء اعتقاله. وقد أكد التقرير الطبي الصادر عن رئيس قسم الإنعاش بمستشفى الرابطة، بالإضافة إلى تقييم خبراء اللجنة الطبية التابعة للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، أن هذه الإصابة ناتجة عن عنف جسدي شديد أثناء عملية إيقافه.
ورغم خطورة وضعه الصحي، لم تتخذ السلطات أي إجراءات لمحاسبة المسؤولين عن هذا التعذيب. فقد قام فريق دفاعه بإيداع شكاية جزائية ضد المتورطين في الاعتداء عليه، سواء أمرًا أو تنفيذًا أو تخطيطًا، إلا أن هذه الشكاية ما زالت مجمدة في رفوف مكاتب النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، دون أي تحرك قانوني جدي وفق تصريح محاميه.
“أودع فريق دفاع نور المعتقل السياسي نور الدين البحيري شكاية جزائية في التعذيب ضد المعتدين أمرا وتنفيذا ومشاركة وتخطيطا، ولكن الشكاية الجزائية مازالت في رفوف مكاتب النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس” أمين بوكر – محامي البحيري
تفاقم الوضع الصحي بسبب الإهمال المتعمد:
بسبب تدهور حالته الصحية، قرر الطاقم الطبي بمستشفى الرابطة إبقاء البحيري تحت المراقبة الطبية وإخضاعه لمزيد من الفحوصات، مع إلزامه باستخدام جهاز تنفس اصطناعي ليلاً، وهو مؤشر خطير بسبب الإصابات التي لحقت به.
خلفية القضايا والأحكام التي يواجهها البحيري:
يواجه نور الدين البحيري، نائب رئيس حركة النهضة ووزير العدل الأسبق، حكمًا ابتدائيا بالسجن لمدة عشر سنوات، على خلفية تهم مُلفقة تتعلق بـ”التآمر على أمن الدولة” و”تحريض التونسيين على العنف”.
وترتكز هذه التهم على تدوينة “وهمية” نُسبت إليه على موقع “فيسبوك” قبل احتفالات ذكرى الثورة في 14 (جانفي) يناير 2023، قيل إنه دعا فيها إلى “النزول إلى الشارع”. إلا أن هيئة الدفاع عنه أكدت، استنادًا إلى اختبارات فنية مستقلة، أن هذه التدوينة لم تكن موجودة على الإطلاق، مما يثبت زيف الأدلة التي بُني عليها الاتهام.
إجراءات تعسفية واحتجاز خارج إطار القانون:
لم يكن هذا الحكم سوى حلقة جديدة في سلسلة الإجراءات القمعية التي استهدفت البحيري، حيث سبق أن وُضع قيد الإقامة الجبرية في 31 ديسمبر 2021، دون توجيه تهم رسمية واضحة، تحت ذريعة الاشتباه في “استخراج وثائق سفر ومنح الجنسية التونسية لأفراد متهمين بالإرهاب بطريقة غير قانونية”. ورغم رفع الإقامة الجبرية في 8 مارس 2022، ظل البحيري عرضة للملاحقات القضائية ذات الطابع السياسي وأُعيد اعتقاله وايداعه السجن لاحقا.
يطالب مرصد الحرية لتونس السلطات التونسية بـ:
- الإفراج الفوري وغير المشروط عن نور الدين البحيري، الذي يواجه أحكاما جائرة وتهما زائفة في حقه.
إجراء تحقيق قضائي مستقل وشفاف في وقائع التعذيب التي تعرض لها، ومحاسبة جميع المتورطين دون تأخير أو تواطؤ، وضمان تقديمهم إلى العدالة.
- ضمان حصول البحيري على الرعاية الطبية اللازمة فورًا، ووضع حد لسياسة الإهمال الطبي بحق المعتقلين السياسيين.
- وقف استخدام القضاء كأداة لقمع المعارضين السياسيين، وضمان محاكمات عادلة ومستقلة.
إن ما تعرض له نور الدين البحيري ليس حالة معزولة، بل يعكس منهجًا متصاعدًا من القمع السياسي، يتمثل في الاعتقالات التعسفية، والمحاكمات الجائرة، والتعذيب، والإهمال الصحي المتعمد داخل السجون.
ويحذر مرصد الحرية لتونس من أن استمرار إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب سيؤدي إلى مزيد من تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تونس، ويدعو المجتمع الدولي إلى التواصل مع السلطات التونسية لضمان احترام القوانين الدولية المتعلقة بحماية المعتقلين.