تقرير حول المترشحين للانتخابات الرئاسية التونسية 2024 والمسار الانتخابي والقانوني والمواقف الدولية
تشهد تونس أجواء باهتة وانتخابات رئاسية قاتمة لعام 2024، نتيجة التضييقات القانونية والسياسية والملاحقات القضائية التي طالت منافسي الرئيس الحالي، قيس سعيد.
منذ الانقلاب الذاتي – الدستوري الذي نفذه قيس سعيد في 25 جويلية (يوليو) 2021، والذي أدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واستطاع من خلاله تركيز جميع السلطات بيده، لم يسمح سعيد بوجود منافسين جادين لمواجهته في الانتخابات المقررة في 6 أكتوبر المقبل. وقد استغل في ذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، برئاسة فاروق بوعسكر، إلى جانب بعض المؤسسات القضائية التي سيطر عليها، لتلفيق تهم ومحاكمة عدد من منافسيه.
كل هذه التضييقات أثرت بشكل كبير على المناخ الانتخابي، حيث يسوده الخوف والضبابية، مما يضر بسلامة العملية الانتخابية ونزاهتها، وأدى في النهاية إلى استبعاد عدد من المرشحين البارزين.
من أبرز المؤشرات التي تدل على تلاعب السلطة السياسية، بقيادة قيس سعيد، بجوهر العملية الانتخابية، هما مؤشرين رئيسيين:
أولهما حصر الترشحات في شخصيات ثانوية أو غير معروفة، حيث لم يتجاوز عدد المرشحين بجانبه ثلاثة أشخاص، مما يشبه نمط الانتخابات الجزائرية. وقد نجح في تحقيق ذلك من خلال تحديد مسار انتخابي مفصل على مقاسه، وفرض شروط قاسية للترشح قبل ثلاثة أسابيع فقط من فتح باب الترشحات.
ثانيهما، هو استغلال مؤسسات الدولة، بما في ذلك جزء من السلطة القضائية والتشريعية، لصالحه. وقد تجلى ذلك بدءًا من النزاع القانوني بين المحكمة الإدارية، التي أقرت بصحة ملفات ثلاثة مرشحين، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي رفضت تلك القرارات القضائية، وصولاً إلى إصدار قانون انتخابي جديد في البرلمان، قبل أسبوع واحد من الانتخابات، لتجريد المحكمة الإدارية من سلطتها على المسار الانتخابي.
لم يسمح سعيد بوجود منافسين جادين لمواجهته في الانتخابات المقررة في 6 أكتوبر المقبل. وقد استغل في ذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، برئاسة فاروق بوعسكر، إلى جانب بعض المؤسسات القضائية التي سيطر عليها، لتلفيق تهم ومحاكمة عدد من منافسيه.
1. المترشحون والوضع القانوني

الحالة: في السجن – عقوبة قضائية بثماني أشهر
الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري. تعرض للسجن لمدة 8 أشهر بتهم فساد مالي وواجه اتهامات تتعلق بسوء إدارة الموارد. رغم محاولاته القانونية للطعن في الأحكام الصادرة ضده، إلا أن موقفه القانوني الصعب حال دون استمراره في السباق الانتخابي .

الحالة: سراح مع تتبعات عدلية
كاتب وسياسي مستقل عُرف بمواقفه المناهضة لقيس سعيد. يواجه الصافي تهمًا وقضايا عديدة تم استدعاءه للتحقيق لأكثر من مرة بعد تصريحات علنية انتقد فيها النظام السياسي الحالي، مما أثار غضب السلطات. تم توقيفه في وقت سابق بسبب محاولته اجتياز الحدود التونسية / الجزائرية بشكل غير قانوني ثم تم إطلاق سراحه. كما صدر حكم بالسجن لمدة 4 أشهر ضده في جوان 2024 بسبب تزوير تواقيع خلال ترشحه السابق للانتخابات الرئاسية في 2014.

الحالة: خارج أرض الوطن ومطلوب للتحقيق
هو وزير سابق في عهد الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، يواجه عدة تهم من قبل السلطات التونسية، تشمل التآمر على أمن الدولة والتحريض على العصيان ضد النظام الحالي. يواجه الزنايدي أيضًا تهما بتكوين تنظيم إرهابي والتحريض على الانضمام إليه، والتآمر لتغيير هيئة الدولة، إضافة إلى نشر الرعب والفوضى بين السكان عبر مقاطع فيديو تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. كما يواجه قضايا تتعلق بالفساد المالي وسوء استخدام السلطة. على الرغم من أن الزنايدي حاول الترشح للانتخابات الرئاسية، إلا أن وضعه القانوني المعقد والتحقيقات الجارية ضده حالتا دون مشاركته الفعالة في الانتخابات وتم إدراجه على قائمة المطلوبين من قبل القضاء التونسي.

الحالة: في السجن -في حقه 14 بطاقة ايداع
هو رجل أعمال تونسي ومرشح مُستبعد من الانتخابات الرئاسية 2024. يواجه عدة تهم تتعلق بـ "تزوير وثائق" و"افتعال تزكيات شعبية". تم الحكم عليه بالسجن لمدة عام وثمانية أشهر، وذلك بعد اتهامه بتقديم شهادات مزورة ورشاوى مالية وعينية للتأثير على الناخبين، إلى جانب معالجة بيانات شخصية دون إذن المعنيين بها. زمال ينفي جميع التهم ويصفها بأنها ذات دوافع سياسية، تهدف إلى تقويض فرصه في الانتخابات، خاصة أنه يعد من المنافسين الجديين للرئيس الحالي قيس سعيد.

الحالة: في السجن
الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، يواجه تهمًا تتعلق بما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة". كما وجه انتقادات علنية للحكومة السابقة (نجلاء بودن) وتمت إدانته بموجب قوانين جديدة تهدف إلى التضييق على حرية التعبير (المرسوم 54)، تم إيقافه في فيفري/ فبراير 2023 على خلفية هذه التهم وتعتبر هذه القضية جزءًا من سلسلة إجراءات قانونية شملت عددًا من الشخصيات السياسية في تونس بعد عام 2021.بالرغم من وجوده في السجن، أعلن الشواشي ترشحه للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أكتوبر 2024. وفي بيانه الانتخابي الذي نشره من داخل السجن، أشار إلى أن ترشحه يأتي في ظل "الأوضاع المتوترة" في تونس، مع التركيز على إصلاحات اقتصادية وسياسية ضرورية. أكد أنه مصر على الدفاع عن حقوقه المدنية والسياسية رغم ما وصفه بالتضييقات التي يتعرض لها. كما قدم قضايا استعجالية ضد السلطات التي رفضت منحه وثائق قانونية ضرورية للترشح، مثل بطاقة السوابق العدلية (البطاقة عدد 3) واستمارات التزكيات الشعبية.
مصادر :
- من السجن.. غازي الشواشي يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية
- في رسالة مفتوحة..غازي الشواشي يقدم ترشحه ويعلن بيانه الانتخابي

الحالة: في السجن – في حقها قضايا عديدة
رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس، تم إيداعها السجن بعد قرار قضائي صدر في أوت/ أغسطس 2024. هذه الأحكام جاءت نتيجة اتهامات مختلفة، منها "الإساءة إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" و"معالجة بيانات شخصية دون إذن"، وكذلك تهم تتعلق "بتعطيل حرية العمل وإثارة الفوضى". اعتقلت موسي بينما كانت تحاول تقديم طعن قانوني ضد مرسوم رئاسي يتعلق بالانتخابات المحلية المقبلة. رغم أنها تواجه حكماً بالسجن لمدة عامين، فإن أنصارها وحزبها يعتبرون أن هذه التهم سياسية وتهدف إلى منعها من المشاركة في الانتخابات الرئاسية.

الحالة: خارج أرض الوطن ومطلوب للتحقيق
عماد الدايمي هو سياسي تونسي، وناشط في مجال مكافحة الفساد. كان مديرًا لديوان الرئيس السابق منصف المرزوقي، وهو مؤسس "مرصد رقابة"، الذي يركز على كشف ملفات الفساد في المؤسسات الحكومية.في 2024، واجه الدايمي تهمًا تتعلق بالاحتيال وتزوير الشهادات بعد رفض ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية. تم إحالة ملفه إلى النيابة العامة بتهمة التحايل وإخفاء حالته القانونية المتعلقة بمنعه من الترشح. الدايمي نفى هذه التهم، ورفع شكاوى للمحاكم التونسية وللأمم المتحدة.
2. استبعاد وإعادة بعض المترشحين
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قامت باستبعاد عدد من المترشحين استنادًا إلى قضايا قانونية واتهامات متعددة. بعض المترشحين قدّموا طعونًا أمام المحكمة الإدارية، التي أصدرت بدورها أحكامًا لصالح بعضهم. رغم ذلك، رفضت الهيئة الامتثال لبعض تلك الأحكام، مما زاد من تعقيد الوضع الانتخابي وأثار تساؤلات حول شفافية العملية الانتخابية.
3. ردود الفعل الدولية
منظمات حقوقية
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه بشأن الوضع في تونس، وخاصة ما يتعلق بتضييق الحريات، واعتبر أن الإجراءات القانونية ضد المترشحين والصحفيين تضر بالثقة في العملية الديمقراطية. الولايات المتحدة أيضًا دعت إلى ضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وحثت الحكومة التونسية على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية .
4. التضييق على الإعلام
شهدت تونس تراجعًا في مستوى حرية الصحافة حيث تم اعتقال عدد من الصحفيين وتم توجيه اتهامات لهم بموجب قوانين جديدة مثل المرسوم 54 المتعلق بالجريمة الإلكترونية. هذا المرسوم يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات على نشر “أخبار زائفة” أو انتقاد المسؤولين الحكوميين بطريقة قد تعتبر “ضارة بالأمن القومي”. أثار هذا التضييق على الإعلام إدانة واسعة من المنظمات الحقوقية الدولية وساهم هذا المرسوم بطريقة مباشرة في اضفاء “رقابة ذاتية” على وسائل الاعلام وتراجع دورها الديمقراطي في تغطية ومراقبة الانتخابات الرئاسية.
5. تعديل القانون الإنتخابي
في خطوة اضافية للتحكم في نتائج الانتخابات وتفادي أي طعون في فوزه المتوقع، قام الرئيس باستبعاد المحكمة الادارية من النظر في النزاعات الانتخابية. فبعد شن حملة إعلامية ضد المحكمة الإدارية -بعد قرارها باعادة عدد من المرشحين المبعدين من قبل هيئة الانتخابات- صادق البرلمان في ٢٧ سبتمبر في جلسة طارئة على تعديل القانون الانتخابي قبل أيام قليلة من تاريخ الانتخابات الرئاسية وقد جرّد القانون المحكمة الإدارية من سلطة الفصل في النزاعات الانتخابية وحوّلها إلى القضاء العدلي.
و عبرت عدة منظمات عن رفضها لهذا التعديل على غرار جمعية القضاة التي نددت بالتعديل “لمخالفته لمبادئ دولة القانون ومبادئ الديمقراطية وأسس النظام الجمهوري ومساسه الفادح بالاختصاصات الأصلية والتقليدية الموكولة لكل من القضاء الإداري والقضاء المالي ولما له من تداعيات خطيرة على سلامة المسار الانتخابي وعلى موقع القضاء وهيبته وفاعليته”.
6. تحيين: نتائج الانتخابات
مثلما كان متوقعًا، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات عن فوز الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد بالأغلبية المطلقة للأصوات بنسبة بلغت 90%. مقارنة بنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2019، وتراجع عدد المصوتين له بنسبة 12.2%. وعلى الرغم من فوزه من الدور الأول، فقد كانت نسبة المشاركة منخفضة حيث سجلت 28.8%، وهي الأدنى منذ ثورة 2011.
وأظهرت النتائج أن نسبة العزوف عن التصويت تجاوزت 70% من مجموع المسجلين، فيما لم تتجاوز نسبة مشاركة الفئة العمرية الشابة (18-35 سنة) 6% وعلى الارجح بسبب دعوة القوى السياسية والاحزاب للمقاطعة.
وواجهت النتائج انتقادات واسعة من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، التي وصفت العملية بغير الديمقراطية. وعلى الصعيد الدولي، امتنعت أغلب الدول عن تهنئة الرئيس بفوزه. من بين الدول التي هنأته كانت الجزائر، حيث بعث الرئيس عبد المجيد تبون برسالة تهنئة، بينما التزمت العديد من الدول الأخرى الصمت، مما يعكس قلقًا دوليًا بشأن المسار الديمقراطي في تونس.